السادس عشر النهي عن الغضب
عنْ أبي هُريرةَ – رَضِي اللهُ عَنْهُ – ، أنَّ رَجُلاً قالَ للنَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : أَوْصِني. قالَ: ( لاَ تَغْضَبْ ) فَرَدَّدَ مِرارًا، قالَ: ( لاَ تَغْضَبْ). رواه البخاريُّ.
الشرح :
الحديث أصل في مقاومة الغضب وتجنب أسبابه،
وفيه من الفوائد:
1- جواز طلب الوصية من العالم.
2- جواز الاستزادة من الوصية.
3- حرص الصحابة على الخير.
4- مراعاة الموصي حال الموصَى في وصيته.
5- أن الغضب مفتاح لكثير من الشرور القولية والفعلية، وأعلاها الكفر والقتل.
6- تأكيد النهي عن الغضب ولا يدخل في ذلك الغضب لله إذا انتهكت حرماته. فالغضب مراتب فأفضله الغضب لله وأسوأه السخط على قضاء الله، فالأول من كمال الإيمان والثاني من الجهل بالله وسوء الظن به.
7- النهي عن أسباب الغضب، كالمراء والسباب والمنازعات وصحبة السفهاء.
8- الأمر بأسباب إطفاء الغضب كالتعوذ بالله من الشيطان والوضوء والجلوس.
9- الإرشاد إلى كظم الغيظ وضبط النفس عند حصول الغضب كما في الحديث ) ليس الشديد بالصُّرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).
10- حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.
11- حسن تعليمه- عليه الصلاة والسلام -.
12- فيه شاهد لقاعدة سد الذرائع.
13- أن أفضل الناس في الغضب والرضا من يكون بطيء الغضب سريع الرضا.
14- فيه شاهد لما خُص به النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم.
15- أن النهي عن الشيء نهي عن أسبابه، وأمر بما يعين على تركه.
16- أن من محاسن الإسلام النهي عن مساوئ الأخلاق.
الحديث السابع عشر الرفق بالحيوان
عن أبي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ – رَضِي اللهُ عَنْهُ – ، عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قالَ: ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ). رواه مسلِمٌ.
الشرح :
هذا الحديث أصل في الندب إلى الإحسان إلى كل شيء،
وفيه من الفوائـد:
1- إضافة الكتابة إلى الله، وهي نوعان:
أ- كتابة نوعية ب- كتابية دينية:
فمن الأول قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ }[الأنبياء : 105 ] ومن الثاني قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ }ومنه ما في هذا الحديث.
2- الحث على الإحسان إلى الخلق بكتابته على كل شيء، و(على) في الحديث بمعنى (في)، وهذا أقرب الوجوه، والإحسان يكون بالقول والفعل والترك والإحسان إلى أصناف الناس كما في قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين) ويدخل فيه الإحسان إلى الحيوان كما في حديث البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها، وكما في هذا الحديث، وجماع القول في معنى الإحسان أنه إيصال النفع ودفع الضرر وكف الأذى.
3- من الإحسان: الإحسانُ في صفة قتل من أبيح قتله، وذلك بفعل ما يقتضيه الشرع من صعوبة وسهولة فيدخل في ذلك رجم الزاني والقتل قصاصاً، فإنه يتبع فيه فعل الجاني.
4- الإحسان في صفة ذبح الحيوان، ومن ذلك فعل الأسباب التي تكون أسرع في إزهاق الروح، كشحذ الشفرة وهي السكين.
5- تحريم تعذيب الحيوان كاتخاذه غرضاً وتجويعه وحبسه بلا طعام ولا شراب.
6- رحمة الله بخلقه.
7- كمال هذه الشريعة واشتمالها على كل خير، ومن ذلك رحمة الحيوان والرفق بالحيوان.
8- أن الله له الأمر والحكم.
9- حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لتوضيحه القاعدة الكلية بذكر بعض أفرادها.
الحديث الثامن عشر الخلق الحسن
عن أبي ذرٍّ جُندُبِ بنِ جُنَادَةَ وأبي عبدِ الرَّحمنِ مُعاذِ بنِ جبلٍ – رضِي اللهُ عَنْهُما – ، عن رسولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قالَ: ( اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ) رواه التِّرمذيّ، وقالَ: (حديثٌ حَسَنٌ). وفي بعضِ النُّسَخِ: (حسنٌ صحيحٌ).
الشرح :
هذا الحديث أصل في رعاية حقوق الله وحقوق عباده، وفيه من الفوائد:
1- الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الوصايا الثلاث الجوامع.
2- وجوب تقوى الله في كل مكان وزمان وفي كل حال، وتقوى الله خوفه ومراقبته وطاعته بامتثال الأوامر والنواهي. والوصية بتقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين والنبيين والمؤمنين والناس أجمعين، وهي تتضمن الوصية بفعل كل طاعة وترك كل معصية.
3- الوصية بإتباع الحسنة للسيئة، والحسنة هي الطاعة، والسيئة هي المعصية.
4- أن الحسنات تمحو السيئات، كما{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود : 114] وأعظم الحسنات محواً وإذهاباً للسيئات التوبة النصوح، ثم الاستغفار ثم الأعمال الصالحة، كما في الحديث (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
5- رأفة الله ورحمته بعباده إذ شرع لهم ما يكفر السيئات، فضلاً من الله ونعمة.
6- الوصية بحسن الخلق مع الناس، وجماع ذلك الإحسان إليهم وترك العدوان عليهم، والصبر على أذاهم.
7- ومن شواهد ما جاء في هذا الحديث قوله تعالى {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران 133 – 135]
فاشتملت هذه الآيات على ما اشتمل عليه الحديث من الوصايا الثلاث فتطابقت على ذلك دلالة الكتاب والسنة وكلاهما منزل من الله. قال تعالى: { وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }[النساء113].
الحديث التاسع عشر الإيمان بالقضاء والقدر
عَن أَبِي العبَّاسِ عبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- قالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَقَالَ: ( يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ). رواه التِّرمذيُّ، وقالَ: (حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ). وفي روايةِ غيرِ التِّرمذيِّ: ( احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ).
الشرح :
الحديث أصل في الإيمان بالشرع والقدر،
وهو حديث عظيم كثير الفوائد :
1- التواضع للصغار وتعليمهم.
2- من حسن التعليم التمهيد لما يراد من الكلام، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام إني أعلمك كلمات ).
3- فضل ابن عباس – رضي الله عنهما -، حيث رآه النبي صلى الله عليه وسلم أهلاً لهذه الوصايا مع صغر سنه.
4- الوصية بحفظ العبد لربه، ومعناه مراقبته وطاعته فحقيقته حفظ الدين، والحفظ ضد الإضاعة.
5- أن الجزاء من جنس العمل، فمن حفظ الله حفظه وعَكْسُه بعكسِه، فمن لم يحفظ الله لم يحفظه، وحفظ الله للعبد كفايته له ووقايته وهدايته، فقوله ( احفظ الله يحفظك ) نظير لقوله {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ }.
6- أن حفظ الله سبب لمعيته الخاصة المتضمنة للنصر والتأييد والكفاية.
7- فضل التقرب إلى الله بطاعته وتقواه في حال الرخاء، وهي حال الصحة والأمن والغنى.
8- أن من اتقى الله في الرخاء وقاه الله ما يكره ويسَّر أموره وهوَّن عليه الشدائد، وكشف غمّه وهمه ونفّس كربته، وهذا معنى قوله ( يعرفك في الشدة ).
9- تحقيق التوحيد بالاستغناء بالله عن خلقه بترك سؤالهم وترك الاستعانة بهم وصرفِ ذلك لله وحده، فينزل العبد حوائجه بربه ويطلب العون منه.
10- إثبات القدر خيره وشره.
11- أن ما يقع من المنافع والمضار والنعم والمصائب مكتوب، وأن ما لم يُكتب لا يكون.
12- أن الخلق لا يقدرون على تغيير ما سبق به القدر والكتاب الأول.
13- إثبات الأسباب.
14- إثبات تأثير الأسباب بالنفع والضرر، وأنها لا تخرج عن قدر الله.
15- وجوب توحيد الله بالخوف والرجاء والتوكل.
16- أن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومعنى ذلك أن ما أصاب الإنسان قد سبق القدر بأنه يصيبه وأن ما أخطأ الإنسان قد سبق القدر أنه لا يصيبه.
17- الترغيب في الصبر وأنه سبب في النصر.
18- لطف الله بعباده إذ يأتي بالفرج بعد الكرب وباليسر بعد العسر.
19- أن كل ما في الوجود قد فُرغ منه، لقوله صلى الله عليه وسلم : (رفعت الأقلام وجفت الصحف ) فلا تغيير لما سبق به علم الله ولا كتابه.
20- كتابة المقادير.
21- الإرشاد إلى حسن الظن بالله وانتظار الفرج واليسر عند الكرب والعسر، وترك القنوط من رحمته.
22- البشارة بالنصر إذا تحقق الصبر، وبالفرج إذا اشتد الكرب، وأن العسر لا يدوم بل يعقبه يسر بل يسران كما {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }. [الشرح : 5-6] وفي الحديث : ( لن يغلب عسر يسرين ).
23- أن الإيمان بالقدر يهون المصيبة ويعين على الصبر ويمنع من الاعتماد على الأسباب.
الحديث العشرون الحياء من الإيمان
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقبةَ بنِ عَمْرٍو الأنصاريِّ الْبَدْريِّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ). رواه البخاريُّ.
الشرح :
الحديث أصل في الحياء،
وفيه من الفوائد:
1- أنه قد يشتهر على ألسن بعض الناس بعض ما ورثوه عن الأنبياء وهم لا يشعرون بذلك.
2- أن من ذلك هذا الحديث
3- أن الاستحياء يزع عن القبيح من الأقوال والأفعال.
4- الإذن بكل ما لا يستحيي منه ذو الفطرة السليمة، وهذا على أن الجملة إنشاء، والأمر للإباحة.
5- توبيخ من لا يستحي بأنه يصنع كلَّ ما يشتهي.
6- التعبير بالصفة (وهي النبوة) عن الموصوف (وهم الأنبياء).
7- أن عدم الاستحياء يحمل على المجاهرة بالقبيح، وأن الاستحياء يبعث على الاستتار بستر الله.
8- إثبات المشيئة للعبد والرد على الجبرية.
تعليقات تربوية على أحاديث الأربعين النووية
يوم الثلاثاء 5/7/1437