المجلس الأول
الحياء كما تصوره قصة موسى مع المرأتين
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتِ إلا بخير).
– الحياء مراتب وأعلاها الحياء من الله، بأن لا يراك الله في مكان لا يحبه، ولا يفتقدك في مكان يحب أن تكون فيه، ومن الحياء أنّي أراقب الله عندما أخلو بنفسي.
– وكان الرسول صلى الله عليه وسلّم أشد حياءً من العذراء في خدرها.
نقف في الآيات التي وردت في قصة موسى عليه السلام مع المرأتين، قال تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }
لما جاء موسى هذه القرية وجد ناس عند بئر، ووجد امرأتين على جنب ومعهما مجموعة من الغنم، فاستغرب وسألهما: { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } لم تطيلا الكلام معه بل مباشرة، { قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ } يصدر الرعاء أي: لما ينتهون نذهب ونسقي، حياءً من مزاحمة الرجال ، { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } أبعدتا عن نفسيهما الشبهة.
من الحكمة أن يبعد الإنسان عن نفسه الشبهة، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلا ، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ لِيَقْلِبَنِي ، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ ، فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ).
وقصة يوسف عليه السلام عندما دفع عن نفسه الشك لما قال: { فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }
وبعدما سمع قصتهما سقى لهما، ونلاحظ قصر الحوار بينهم.
فلما انتهى تولى إلى الظل وقال: { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } فهو لا يريد الأجر منهم، وهذا من كرمه ونبله u.
فلما تولى إلى الظل أكرمه الله بعودة إحدى البنتين وطلبهما أن يحدث أباهما ويجزيه أجر ما سقاه لهما ، { فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ } “استحياء” مبالغة في الحياء وطلبه، وفيه دلالة على شدة حياءها.
الحياء صفة جميلة في المرأة، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم عليه.
عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
فيجب أن تُربى البنت منذ أن تكون صغيرة على الحياء وعلى ألا تحقق الطريق.
عن عطاء قَال عن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم : لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ ، فَقَالتِ امْرَأَةٌ : انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ – أي : الحجر الأسود – قَالتِ : انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ.
فكان النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم لا يختلطن بالنساء.
{ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } من الممكن أن يكون قصده أن يكون راعي الغنم من أهل البيت.
{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} فيها دلالة على أهمية الأمانة وقوة البنية ، وأحياناً يكون الشخص أمين ولكن ليس قوي.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل يريد الرئاسة: (إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
فزوج الشيخ موسى عليه السلام على ثماني حجج وبورك لهذا الرجل.
المجلس الثاني:
{ هَارُونَ أَخِي }
قال موسى عندما أرسله الله إلى فرعون: { وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي }، فطلب من الله أن يشركه أخوه بالنبوة واستجاب الله دعائه.
ففي هذه الآية فيها دلالة على بركة موسى على أخيه، ومن هذا يجب أن يحرص المرء على نفع أهله قبل أي أحد، ثم الأقربون.
هل معنى هذا أن يقرب المسلم أهله حتى لو كانوا غير مستحقين؟
يجب أن يحرص على الأمانة وقوة البدن.
– ابراهيم عليه السلام لما جعله الله إماماً طلب من الله { وَمِن ذُرِّيَّتِي } فأراد أن يشرك بينه معه مثلما أراد موسى عليه السلام أن يشرك أخاه معه، ورد الله عليه: { قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ليس أي أحد يأخذ الإمامة والخلافة بل يجب أن يكون صالحاً.
لكن انظروا إلى أدب إبراهيم عليه السلام إذ قال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فيها أدب إبراهيم عندما خصص الدعاء للمؤمنين.
– أعظم شفاعة في تاريخ البشر هي شفاعة موسى عليه السلام لأخيه هارون.
– الأخ هو السند، فالأخ هو أقرب شخص للإنسان، فيجب أن أحرص عليه.
عندما ينخرط الإنسان في الحياة لا يبقى له أصدقاء، ولا يبقى له إلا الأخ والأهل، فجميل أن يكون علاقتي مع أهلي رائعة، مع الجميع لكن الأهل أخص.
– حتى عند الشراكة بين الأخوة يجب التدوين حتى لا يفضي على النزاع، ولا يُسمح للشيطان أن يفرق بين الإخوة.
المجلس الثالث:
( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )
نحتاج لهذه الآية في زمننا الحالي، لكثرة نشر الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي، فلما يأتيني خبر لا أنشر كل شيء حتى أتأكد.
وسبب نزول هذه الآية أن الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه ـ سيد بني المصطلق ـ لما أسلم اتفق مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث له ـ في وقت اتفقا عليه ـ جابياً يأخذ منه زكاة بني المصطلق، فخرج رسولُ رسولِ صلى الله عليه وسلم لكنه خاف فرجع في منتصف الطريق، فاستغرب الحارث بن ضرار تأخر رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت ذاته لما رجع الرسول إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى الحارث، فالتقى البعث الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحارث بن ضرار في الطريق، فقال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك! قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله! قال: لا والذي بعث محمداً بالحق، ما رأيته بتة ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟! قال: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، قال فنزلت الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} انتهى الحديث مختصراً
المفروض من الإنسان أن يتبين إن جائه خبر، والدلالة الأولى من الحديث: أن خبر الثقة العدل مقبول إلا إذا دلت قرائن على عدم صحته.
– والدلالة الثانية: أن الله لم يأمر برد شهادة الفاسق أو تكذيبه، وإنما فقط التبين والتثبت من خبره.
– الدلالة الثالثة: أنها تضمنت ذم التسرع في إشاعة الأخبار التي يُخشى من انتشارها.
– الدلالة الرابعة: بيان السبب أن لا يندم على عدم التثبت.
فأنتم من الناس المثقفة الواعية فيجب عليهم عدم التسرع في نشر الأخبار، وخاصة في الأحاديث النبوية لا يجب أن أنشر حتى أتأكد من صحته، مثلاً في موقع الدرر السنية، وخاصة إذا كنتِ ثقة فتكوني سبب في فتنة للغير، أو سبب في نشر إشاعة على أحد.
أخيراً أسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
يوم الأربعاء 28/6