الدرس الرابع : ضفاف النور

الدرس الرابع : ضفاف النور

المجلس الثامن من مجالس الذكر (بين فواتح الآيات وخواتمها)

– التدبر لغة: دبر الشيء: عاقبته وخلفه، تدبر الشيء: نظر إلى عاقبته وآخره.

– من الأشياء التي تعينك على تدبر القرآن: معرفة العلاقة بين مطلع الآية وختامها.

– لكن قبل ذلك: أعرف مقصود السورة، من مطلع السورة وختامها.

مثل: سورة البقرة، على طولها وتشعب موضوعاتها، إلا أن السورة تبدأ بقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } قال بعض العلماء سورة البقرة تدل على أن هذا القرآن هداية للمؤمنين.

ومن مقاصدها: الإيمان بالغيب من صفات المؤمنين، فبُدأت بوصف المؤمنين: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، وخُتمت بوصف المؤمنين: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.

من مقاصدها أيضاً بيان وظيفة الإنسان: استخلافه بالأرض، لذا أول قصة وردت فيها قصة آدم: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ}.

ما علاقة قصص بني إسرائيل بوظيفة الإنسان؟

الله سبحانه وتعالى استخلف بني إسرائيل فلم يعملوا بها، فسلبها منهم وأعطها أمة محمد – صلى الله عليه وسلم- ورسالته لهم: ألا تكونوا مثلهم.

وسميت سورة البقرة، لذكر قصة البقرة فيها، وكيف أنها أوضح قصة لتلكؤ بني إسرائيل عن الاستجابة، حيث كان بإمكانهم ذبح أي بقرة، لكنهم يتلكأون.

السورة الوحيدة التي خاطبت بني إسرائيل بخطاب الحاضر سورة البقرة؛ لأنها سورة مدنية، وفي المدينة كان هناك يهود.

وإذا تأملتِ نهاية سورة البقرة: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}؛ لأن بني إسرائيل قالوا: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ},

حتى تعرفي أن هذه السورة الطويلة ينطبق أولها وآخرها على هذا المعنى.

– سورة الفاتحة جمعت أصول الدين، بعدها جاءت سورة البقرة تشرح أصول الدين.

– ثم من الأمور التي تعين على التدبر: أن تربطي أول الآية بآخرها:

– المثال الأول: قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ }.

أعطى الله الرجل حق الضرب لامرأته إذا نشزت، وقد يستمر المرء حتى بعد عودتها عن النشوز فقال الله تعالى: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.

ختمت أغلب خواتيم سورة النساء ( إن الله كان عليماً حكيماً) العلم والحكمة مناسبة لشؤون الأسرة والمجتمع، فإذا تأملتي تدركي أن ختام الآية السابقة (إن الله كان عليا كبيرا) أي: انتبه أيها الرجل ففوقك الله عليٌ كبير.

– المثال الثاني: قال تعالى في سورة الرحمن: { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء ويبدل من حال إلى حال، فلماذا يعجل الإنسان ويقنط إذا بدل الله أحواله، إسأل الله فإن الله مقلب الأحوال.

– المثال الثالث: قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ختمت بعزيز حكيم؛ لأن الحكم لا يكون إلا من عزيز حكيم.

مر أعرابي فسمع شخص يقرأ هذه الآية وقرأ خاتمتها بـ (والله غفور رحيم) فقال: لو غفر ورحم لما قطع، ولكنه عزّ فحكم فقطع.

– المثال الرابع: لما نزلت: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين} عن زيد بن ثابتٍ – رضي اللّه عنه – «قال: أملى عليّ رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – هذه الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} [المؤمنون: 12] إلى {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 14]، فقال له معاذ بن جبلٍ: فتبارك اللّه أحسن الخالقين، فضحك رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – فقال له معاذٌ: ممّ ضحكت يا رسول اللّه؟ قال: ” بها ختمت {فتبارك اللّه أحسن الخالقين}.

وهذا يروى كثير عن العرب بمعرفة ختم أبيات الشعر وغيرها.

– المثال الخامس: إذا قرأتً: {لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ما علاقة بداية الآية بخاتمتها؟

لا تدركه الأبصار؛ لأنه لطيف، واللطف من الخفاء، وهو الخبير الذي يدرك الأبصار.

– المثال السادس: قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} ما علاقة الآية بخاتمتها؟

الذي يعطيه الله الخير هو ولي من أولياء الله عز وجل، فقال (وهو الولي الحميد) مناسبة لهذه الآية التي فيها إغاثة.

– المثال السابع: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الإنسان بعد الحج يعود إلى حياته الطبيعية بعد أن كان في عبادة وطاعة، فختمت الآية بـ (واعلموا أنكم إليه تحشرون) لتذكير أن كما كان الحشر في عرفة بالحج سيكون الحشر بيوم الحشر.

– المثال الثامن: قال تعالى: { فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}هنا لم يأتِ (غفور رحيم)؛ لأن الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه.

الاربعاء 8/5/1437