تابع الحديث السابع والثلاثون : 《الترغيب في فعل الحسنات》
○ (من هم بالحسنة فلم يعملها) هم بالحسنة – |هم خاطرة| وليس هم عزم وسعي – وسكن لها قلبه ← كتبت له حسنة كاملة .
○ هم وسعى في تحصيلها بجد وحرص ولم يتيسر له ← كتب له أجرها كاملة كأنه عملها، لحديث (إذا سافر المرء أو مرض كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) وهذا يتطلب من العبد أن يكثر من الطاعات حال الصحة والقوة.
_____
- (من همّ بسيئة فلم يعملها) فما حكمه؟
○ إذا لم يعملها خشية لله ← كتبت له حسنة كاملة .
○ لم يعملها خشية الناس ← كتبت سيئة ؛ [ ترك العمل لأجل الناس “رياء” ].
○ لم يعملها لأنه لم يقدر عليها ← كتبت سيئة. لحديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) لم المقتول ؟! لأنه كان حريصا على قتل صاحبه.
○ إذا كانت السيئة خاطرة في النفس، ولم تسكن نفسه إلى هذا الأمر، ودافعه ولم يتحدّث به ← هذا الذي قال عنه الرسول ﷺ (ذاك صريح الإيمان).
* فمدافعته هذهِ صريح الإيمان .
○ هم خطرة بقيت في نفسه وسكنت لها،
▼ إذا كانت متعلقة بالقلب وكانت أشياء كفرية ” كالالحاد مثلًا ” ← فإنها تُعتبر كالكفر تمامًا ويعاقب عليها؛ لأنها استقرت وسكنت في النفس، ولم يدافعها، (وإن لم يتحدث بها)!
||إذا عرضت للإنسان مثل هذه الأمور، فإنه (يسأل أهل العلم الراسخين، حتى تطمئن نفسه ) ولا يسترسل مع هذه الوساوس ||
▼ وإذا كانت الخطرة متعلقة بالقلب ، وبقيت في نفسه وسكنت لها، [ لكنها معاصي دون الكفر ” گسوء الظن اﻷخ بأخيه ” ] ← فهذه تعتبر معصية؛ ما لم يدافعها و ينفر منها.
▼ إذا كانت الخطرة متعلقة بعمل الجوارح “وسكنت نفسه لشيء يترتب عليه عمل ، لكن لم يعملها ” ( فقط حديث نفس )، فإنه إذا كان لم يعملها لفتور همته وعزيمته – فقط – عن هذا الأمر .. ففيه قولين للعلماء:
قـ١) لا يحاسب عليها ؛ لأنه لم يتحدث بها ولم يعمل ، لحديث [ إن الله تجاوز عن أمتي ماحدثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم ] .
قـ٢ ) والذي عليه جمهور العلماء ” أنه يُحاسب ” ودليلهم حديث [ إنما الدنيا لأربعة نفر .. ] .
وذكر منهم: عبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا ، فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، فوزرهما سواء ].
_____
[ هذه المسائل ذكرها ابن رجب في جامع العلوم والحكم ورتبها الشيخ صالح العصيمي في شرحه للأربعين ] .
___________________________________
《 الحديث الثامن والثلاثون : جزاء معاداة الأولياء 》
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ …) إلى آخر الحديث
# أولاً: راوي الحديث
(أبو هريرة رضي الله عنه)
– اُختُلِف في اسمه اختلافا كبيرا وذلك لأنه اشتهر بكنيته ، لكن المشهور أن اسمه : عبد الرحمن بن صخر الدوسي .
– كذلك اُختُلِف في سنة إسلامه، والمشهور أنه أسلم في السنة السابعة.
– وهو أكثر من روى الحديث عن الرسول ﷺ، كيف تحصَّل له ذلك ؟
– لازم الرسول ملازمة شديدة
– وفرَّغ نفسه للعلم وحرص على تحصيله.
– ورد عنه – رضي الله عنه – أنه قال للنبي ﷺ : أسمع منك حديثا كثيرا لكن أنساه، فدعا له النبي ﷺ، فما نسي شيئا بعد ذلك.
-في قصة إسلام أمه : أنه رضي الله عنه كان يدعوها للإسلام، فتأبى، وفي يوم أسمعته في رسول الله ما يكره، فأتى للنبي ﷺ وهو يبكي، فدعا لها عليه الصلاة والسلام بالهداية، فرجع إلى أمه مستبشرا، ففتحت له الباب وقد اغتسلت ولبست خمارها، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
*وفي هذا فائدة :
أن الإيمان الصحيح إذا دخل في القلب أذعنت له الجوارح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ )
# ثانيًا: شرح الحديث:
س| من هو الولي ؟
هو المؤمن التقي ، و الأنبياء أعلى الأولياء.
- أهل الكلام – وهم الذين اشتغلوا بالمنطق “العقل” دون الاعتماد على الأدلة الشرعية – قالوا في الأولياء خلاف هذا التعريف،فقالوا: هو المؤمن التقي غير النبي، فأخرجوا النبي من الولاية !
ترتب على هذا الخطأ في المصطلح أنه بعد أزمان ، وجِد من أتباع هؤلاء من قال بأن الولي فويق النبي ! أي في مرتبة أعلی من النبي !
- معنى معاداة الولي :
○ بغضه لأجل دينه ← فهذه معاداة محرمة ويأثم المبغض .
○ بغضه لأشياء دنيوية ، و يكون المُبغِض فيها معتديا .
○ بغضه لأشياء دنيوية ، ولا يكون المُبغِض فيها ظالمًا ، ويكون الظلم من الولي لكن دون أن يشعر أو يعلم ، ومثاله ما ذُكِر في حديث (لا ضرر و لا ضرار).
لذا يجب على المسلم إذا وجد في قلبه شيئًا على أخيه ، أن يُصرِّح به ويبيَّنه ، ولا يهجره أو يقطع حقه العام (من رد السلام والتشميت وغيره).
س| كيف تتحصَّل الولاية ؟
○ ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ ) فالأحب لله [الحرص على الفرائض] وتحسين أدائها و الاعتناء بها ، بعدها تتبعها النوافل ، فالحسنة تقول : أختي أختي، والاعتناء بالفرائض وتحسينها يكون بالإتيان بها (على خوف ورجاء ومحبة) (1) .
# استطراد :
– الحرورية والخوارج : يعبدون الله بالخوف فقط.
– المرجئة: يعبدون بالرجاء فقط، يقول شاعرهم: (وكثِّر في الخطايا ما استطعت .. إذا كان القدوم على الكريم) !
– الصوفية: يعبدون بالمحبة فقط.
○ ( ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ) بعد حرصه وإتيانه بالفرائض يتقرَّبُ بالنوافل ، وهذا من وسائل محبة الله.
○ ( فإذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا)، أي أن الله يسدده ويوفقه في هذه الجوارح.
- غلاة الصوفية قالوا : هذا النص يدل على وحدة الوجود ، أي أن الله هو العبد و العبد هو الله – تعالى سبحانه علوا كبيرا، فكيف نرد عليهم ؟ نرد عليهم من نفس الدليل الذي استدلوا به على باطلهم، يقول شيخ الإسلام : [ لا يحتج مبطِل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقضه ].
و هنا الرد ظاهر في أول الحديث ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ ) : يدل على وجود طرفين عبد ومعبود ، وكذلك في قوله ( ولَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ ). - ( ولَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ )
○ هل يلزم من هذا أن يعطي الله للعبد مسألته التي أراد إذا بلغ محبة الله له ؟
- لا، لا يلزم ، فقد يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو ظلم لإنسان ، فهنا لا يُستجاب له .
• وإن لم يكن في ذلك من شيء، فإن الله يجيب بما يشاء من أنواع الإجابة :
– فإما أن يعجل له دعوته
– وإما أن يدخرها له في الآخرة
– وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها .
____
(1) أوصت الدكتورة بالرجوع إلى كتاب [الوابل الصيب لابن القيم] في مسألة : مراتب الناس في الصلاة .