تابع الدرس العاشر: “تعامل النبي ﷺ مع صِغار السِّن”

تابع الدرس العاشر: “تعامل النبي ﷺ مع صِغار السِّن”

   أحبب الطفل وإن لم يكُ لك     إنما الطفل على الأرضِ مَلَك

هو لُطف الله لو تعلمه     رحم الله امرئًا يرحمه

“تعامل النبي ﷺ مع صِغار السن”

 

وهُم نُطَف:

– في القصة المشهورة، عندما ذهب ﷺ للطائف يدعو أهلها، فآذوه، فخرج منها، فأتاه جبريل ومعه ملك الجبال، فقال له ملك الجبال: إن الله قد سمع قول قومك لك… فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين.

فقال له رسول الله ﷺ: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا”.

ما أجمل هذا الرجاء! يترجَّى ربه أن تكون هذه النطف ممن يوحِّد الله عز وجل.

– وفي قصة تلك المرأة التي جاءت إلى النبي ﷺ واعترفت بذنبها وقالت: إنها حُبلى من الزنا.

لم يَقم النبي ﷺ بإقامة الحد عليها، بل أمهلها حتى وضعت صغيرها، رحمته بهم وهم في بطون أمهاتهم فضلًا عن إذا خرجوا إلى الدنيا.

 

أوَّل من يأتون إليه بمواليدهم:

وُلِد مولود لأبي طلحة – أبو طلحة زوج أمِّ سُليم والدة أنس رضي الله عنهم جميعا – فأخذت أمُّ سليم مولودها، وطلبت من أنس أن يذهب به إلى رسول ﷺ، فانطلق به أنس، فصادف رسول الله ﷺ ومعه مِيسَم، فلمَّا رآه قال: (لعلَّ أم سليم ولدَت؟)، قال: نعم، فوضع المِيسَم، وأتى أنس بالصبي ووضعه في حجر النبي، ودعا له رسول الله ﷺ بعجوة فلاكَها في فيه، حتى ذابتْ ثمَّ قذَفها في فِيّ الصبيِّ، فجعل الصبيُّ يتلمَّظُها، فقال رسول الله ﷺ: (انظروا إلى حُبِّ الأنصار التمر)، ومسَح وجهه وسماه عبدالله.

اليوم، إذا وُهِب أحدنا مولودا يذهب به إلى أبيه وأمه، هم أكثر من ينتظران ويفرحان، الصحابة أول من يذهبون إليه هو النبي ﷺ، يعلمون أنه سيفرح بأبنائهم بقدر فرحهم بهم.

 

يُخفِّف ويُطيل في الصلاة لأجلهم:

– يقف بين يدي ربه يهمُّ أن يُطيل في صلاته، فيسمع بكاء طفل، فيُخفِّف؛ رحمة بهذا الصغير، ومِّمَا يجدُ من وجدِ أُمِّه عليه.

– يصعد الصغير على ظهره فيُطيل السجود، ويقول: (إن ابني هذا ارتحلني فلم أشأ أن أقطع عليه).

 

وهو مَهْمُـوم:

– خرج أبو هريرة مع رسول الله ﷺ يوما، ورسول الله ﷺ ساكن ساكت لا يُكلِّم أبا هريرة ولا أبا هُريرة يُكلِّمه –ربما أهمَّه شيء من أمر الوحي أو غيره- حتى أتى ﷺ على خِباءٍ لفاطمة، ونادى (أثمَّ لُكع؟ أثمَّ لُكع؟) –لُكع كلمة تُطلق على الصغار، وكان يقصد الحسن- فلما خرج الصغير إلى جده تعـانـقـــا..

– وكان النبي ﷺ يسير في طريق مع بعض أصحابه، فرأى الحُسين، فجعل يبسط يداهُ إليه والطفل يمر مرة من ها هنا ومرة من هاهنا -يتدلل على جده- حتى أمسكه رسول الله ﷺ وقبَّله.

 

تُحلُّ المشكلة ببساطة!

جاءت أم قيس بطفلها إلى النبي  ﷺ -وكلما جاؤوا به أجلسه النبي على حجره- فبال الصغير، فإذا بالأم وقد أصابتها رعدة! والنبي ﷺ يبتسم ويأمر بماء فينضحه على ثوبه.. وتُحلُّ المشكلة ببساطة، ولا يمنع ذلك النبي أن يُجلِس في حجره من أبناء الصحابة العدد الكبير.

وجلسة الحجر هذه فيها معنى حميمي عظيم، إحدى الصحابة أجلس إحدى طِفلَيه في حِجره والآخر على الأرض، فقال له النبي: “ما عدلت بينهما”.

 

يبحث عن أصغر شخص في المجلس:

– عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ كان يُؤتى بأول الثمر، فيقول: “اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مُدِّنا، وفي صاعنا، بركةً مع بركة، ثم يُعطيه أصغر من يحضره من الولدان”.

الصغير يحب اكتشاف كل شيء، وتذوُّق أي شيء في يدك، لذلك النبي يُقدِّر هذه المشاعر.

– ويرى أن رحمة الله تنزل برحمة هذا الطفل الصغير، في موقف الأقرع بن حابس عندما قال: ﺇﻥ ﻟﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻟﺪ، ﻣﺎ قبَّلتُ ﻣﻨﻬﻢ أحدًا، ﻓﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﷺ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: “من لا يَرحم لا يُرحم”.

 

إنها سرَّ!

يقول أنس: أتى عليَّ رسول الله ﷺ وأنا ألعب مع الغلمان، فسلَّم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلمَّا جئتُ قالت: ما حبسك؟

قلتُ: بعثني رسول الله ﷺ لحاجة.

قالت: ما حاجتُه؟

قلتُ: إنَّها ســرّ.

قالت: لا تُحدِّثنَّ بسرِّ رسول الله أحدًا.

فكان يُعوِّدهم تحمُّل المسؤولية منذ صغرهم؛ لأنهم أبناء اليوم ورجال الغد.

 

أتأذنُ لي..؟

عن سهل بن سعد الساعدي –رضي الله عنه-  أنَّ رسول الله ﷺ أتيَ بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ.

فقال للغلام: “أتأذن لي أن أُعطي هؤلاء؟”

فقال الغلام: لا والله، لا أُوثِرُ بنصيبي منك أحدًا.

قال: فتلَّه رسول الله ﷺ في يده.

 

|| تلويحة:

في بعض المجالس الآن لا يُسمح بالأساس فيها بدخول الأطفال، وإن كان.. فترى القادم يدخل، فيقوم له الجميع، فيُسلِّمُ عليهم واحدًا واحدًا، وعندما يأتي دور الصغير يُتعدَّى إلى من بعده من الكبار، هذا فضلا عن أن ينال طفلًا صدر المجلس ويُجاور سيده، ثم ويُستأذن في تقديم الكبار عليه وتُؤخذ برغبته وتُحترم.

كيف له أن يفصح عن رغبته بقوة وجرأة! إلا أنه مقدِّرٌ لذاته، معتمدٌ على نفسه، ضامنٌ لحقوقه مُحتَرمَةٌ كالكبار.

وينشؤون على معاملة غيرهم كما كانوا يُعاملون هم في صغرهم.

 

ختامًا..

وياربِّ حبِّب كل طفل فلا يرى    وإن لجَّ في الإعناتِ وجهًا مُقَطِّبًا

وهيِّء له في كل قلبٍ صبابةً    وفي كُلِّ لُقيا مرحبًا ثُمَّ مرحبًا

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على حبيبك محمد وعلى آله وصحبه وسلم

واجعلنا ممن يستمع القول فيتَّبعُ أحسنه