(تعامله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحاب المصائب، وذوي العاهات)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النّبي المصطفى
عشنا سيرته -صلى الله عليه وسلم- كأب وزوج ومربّي وجار، جميل أننا في كل مرة نجدد العهد والنية بتعلّم دروس حياته وتطبيقها، فهديه أكمل هدي، وهو المعصوم، والله عزّ وجلّ أمرنا بالتأسي به: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة”.
وسنقف اليوم على جانبين من جوانب حياته عليه الصلاة والسلام.
الجانب الأول: تعامله صلى الله عليه وسلم مع أصحاب المصائب والبلايات
* [أذكر عبارة كتبتها لي إحدى صديقاتي لايزال أثرها في قلبي, كتبت -ما معناه-: الإيمان والعقيدة يبنيان المؤمن ويقويانه ويشدّان من عزمه في أشدّ حالاته انهيارًا، فنحن لابدَّ لنا من الاجتهاد وقت الرّخاء حتى إذا اُبتلينا نكون من الصابرين، فوقت المصيبة يظهر فيه قوة إيمانكِ وما كان قلبكِ عليه].
- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رحيم بهذه الأمّة، يسلّي المصابين وربما بكى مشاركة لهم.
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: مرَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بامرأة تبكي عند قبر، فقال: “اتقي الله واصبري!”، قالت: إليك عني، فإنك لم تُصب بمصيبتي! ولم تعرفْه، فقيل لها: إنه النبي – صلى الله عليه وسلم – فأتت باب النبي – صلى الله عليه و سلم – فلم تجد عنده بوابين! فقالت: لم أعْرِفْكَ! فقال: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.
- وبيّن لنا -صلى الله عليه وسلم- أن المصائب تكفر الخطايا.
فقال: “ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه”.
وهنا ملحظ جميل، وهو فضل الله ورحمته علينا، التعب والجهد الذي قد يعترينا، والهم والضيق وإن كان من أمر بسيط، حتى وخز الشوك يكفر الله عز وجلّ بها من الخطايا!
- و كان يحثنا عليه الصلاة والسلام أن نتعزّى بفقده عند كل مصيبة تصيبنا.
قال صلى الله عليه وسلم: “إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب”.
- وكان يعلّمنا ما نقول إذا نزلت علينا المصيبة.
قال صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرًا منها”.
لما سمعتها أم سلمة رضي الله عنها، وجاءها خبر وفاة أبي سلمة رضي الله عنه، قالتها، وهي تقول في نفسها: من قد يكون أخير لي من أبي سلمة؟ فعوضها الله عز وجل وأكرمها بماذا؟
بأنها صارت زوجة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وأمًّا للمؤمنين.
- كان صلى الله عليه وسلم يمنع المبتلى من رؤية فقيده بعد موته إن خاف عليه الجزع.
عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، فكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تراهم، فقال: المرأة المرأة!
قال الزبير رضي الله عنه : فتوسَّمت أنها أُمِّي صفية.
قال: فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى.
قال: فَلَدَمَتْ في صدري! وكانت امرأة جلدة!
قالت: إليك لا أرضَ لك!
قال فقلت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عزم عليك قال: فوقفت، وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما.
- وكان يرشدهم لنوع الأطعمة التي يأكلونها مما تخفف الهم والحزن.
فيقول: “التلبينة مجمّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن” وذكر العلماء عن التلبينة فوائد كثيرة في الزمن الحاضر.
- حث النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا على التعزية بين المسلمين.
روى عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة” جميل أن نستشعر نيلنا هذا الأجر كلما عزَّينا أو واسينا..
- وكان -صلى الله عليه وسلم- يرقي المريض ويدعو له.
ومن ذلك قوله “اللهم أذهب الباس رب الناس اشفه أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما”.
الجانب الثاني: تعامله صلى الله عليه وسلم مع ذوي العاهات والاحتياجات الخاصة
- كان عليه السلام يحثهم على الصبر ويبشرهم بالجنة.
عن جابر ابن عبد الله -رضي الله عنهما- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “يودُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء ثوابهم أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض”.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها.
* والصرع -نسأل الله السلامة- أمر ناتج من خلل في كهرباء المخ: (تفقد بسببه الوعي في أي مكان، وعلى أي حال كانت، فضلًا عمَّن سيكون حولها حينها من الناس..)، فكانت تحمل هم أمرين: هم المرض، وهم التكشف أثناء صرعها.
[ونحن إذا كُنَّا في شكل غير لائق، نعاتب أنفسنا: “شلون يا فلانة ما علمتيني إن شكلي كذا أو شعري مو زين….” وهذا شيء بسيط جدًا، فكيف إذا كان الإنسان يسقط ويتكشّف؟ وقد يكون الأمر النفسي أعظم وأكبر من المرض الجسدي! فلما قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم: “إن شئتِ صبرتِ ولك الجنّة، وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك” صبرت على المرض ولم تصبر على تكشّفها أمام الناس، فدعا لها عليه الصلاة والسلام].
- كان أيضًا يُراعي مشاعرهم ويختار الألفاظ المناسبة، ويبين لهم أن التفاضل ليس بأشكال، ولا بكمال خلقة، إنما بالتقوى.
كان ابن مسعود -رضي الله عنه- دقيق السّاقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: “ممَّ تضحكون؟ ” فقالوا: يا نبي الله من دقّة ساقيه، فقال: ” والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد”.
أخبر عليه الصلاة والسلام أن نصر الأمة يكون بأمثالهم, وكان يعفو عن سفهائهم وكان يقول: “من رأى صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا إلا عوفي بذلك”.
* وهنا ينبغي لنا أن نقول هذا الذكر سرًا، أي نُسمِع به أنفسنا فقط، ولا نُسمِعُهُ أهل البلاء.
[ولا بد أن نعلم أن ذي الاحتياجات الخاصة، أو من أصيب بابتلاء… في الحقيقة هو الكافر، لأن الذي عطّل سمعه وبصره وبدنه أن يكون في طاعة الله عز وجل، هو هذا المعاق والمبتلى الحقيقي، وليس المؤمن، لأن المؤمن يستفيد بعقله وحواسه ويستعملها في طاعته عز وجلّ وإن كان فاقدًا لبعضها، ولئن يكون فاقدًا لعضو خير له من أن يستعمله في معصية الله وهو موجود].
نسأل الله أن يعافي المؤمنين والمبتلين ويجلعنا من الصابرين إذا ابتلوا، ويوفقنا لاتباع نبينا عليه الصلاة والسلام بأن نكون خير عون لإخواننا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد