ضفاف النور، الدرس السادس: تعامله -صلى الله عليه وسلم- مع الخدم والإماء.

ضفاف النور، الدرس السادس: تعامله -صلى الله عليه وسلم- مع الخدم والإماء.

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..

” كيف كان تعامله صلى الله علي وسلم مع خدمه وإماءه؟ ”

 

زيد بن حارثة –مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- أحبه حبا عميقا وأنزله منزلة الولد، كان زيد حُرا من الأحرار وسط أهله، إلى أن أغارت خيل عليهم، فاحتملوا زيدًا معهم وباعوه، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، ثم أهدته خديجة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولما بلغ أهله خبره ومكانه، أتوا بفدائه يرجون النبي فيه، فقال لهم رسول الله:

“ادعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء، قالوا: زدتنا على النصف، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي، قال: فأنا من قد علمت وقد رأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك، قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام. انتهى. [لما جاء الإسلام حرم التبني].

 

السؤال هنا: ماذا رأى زيد من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يختاره على أبيه؟ (وليس كصديق ولا موظف.. إنما عبد مولى.)؟

 

*هذا ما سنقف على بعض جوانبه، ومن هذا أنه صلى الله عليه وسلم:

 

  • لم يكن يأنف من المشي مع خادمه، أو أمته ليقضي له حاجته:

    كانت الأمة تمسك بيده فتنطلق به في أي طريق أرادت حتى تقضي حاجتها دون أن يُعجّلها أو يجعلها تتردد. [والقصد من تمسك بيده: أي أنه صلى الله عليه وسلم يكون في طوعها حيث شاءت].

 

  • لا يأنف ولا تضيق نفسه أن يأكل مع خدمه في إناء واحد:

    وكان يُوصي أصحابه على هذا؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا أتى أحدكم خادمه طعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلةً أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنه وليَ حره وعلاجه”. تكبّد مقابلة إعداد الطعام، وقاسى حر النار حتى يُطهى.

    من منا تُجلِس خادمتها معها وتُؤاكلها؟ هذا يُرقق النفوس ويُلينها، ويُطيِّب خواطر الخدم.

    لهم كرامتهم وإنسانيتهم وحق المعاملة بالحُسنى، وهذا سيرجع لصاحب الخادم، حيث يقابله خادمه بأحسن ما عنده (من الأخلاق و الأمان و العمل المتقن).

    أما النقيض من هذا من سوء معاملتهم وإساءة الظن بهم؛ هو ما خلّف قصص الجرائم التي نكاد نسمعها يوميا!

  • ونهى صلى الله عليه وسلم عن تكليفهم من العمل فوق طاقتهم:

    قال صلى الله عليه وسلم: “للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق”.

    مأكله وملبسه من نفس جنس مأكل وملبس سيده، أي إن أكل السيد لحمًا لابد أن يُطعم خادمه منه، وإن كان يلبس في الشتاء الصوف والقطن الثقيل، وجب عليه إلزاما أن يُلبس خادمه من مثل هذه المواد، وإن لم تكن نفس الصناعة والقيمة، ويعينه فيما كلفه به إذا كان لا يُطيقه.

     

    *تعليق/ بعض البيوت تُكلّف العاملة بأعمال لا يُطيقها إنسان، حتى أنه يكاد يكون وقت نومها مقتضب للغاية! هي قادمة لأداء أعمال معينة، ليس لتؤدي دور الصغير و الكبير والأم و الأب والذكر و الأنثى!

    يتأمل الإنسان حاله كيف أنه يحتاج وقت للراحة غير وقت النوم، وقت يجلس فيه لوحده يتأمل.. وقت مع أهله…

    إذا كانت البيوت بهذا النظام -من التضييق والمشقة على العاملات- فلا يُستغرب وجود الحقد ووقوع السحر وهذه الجرائم.

 

  • كان صلى الله عليه وسلم يتفقد خدمه ويسألهم عن حاجتهم:

    كان مما يقول للخادم : “ألكَ حاجة؟”،  من منا تسأل خادمتها: (تحتاجين شي..؟ تذهبي مكان؟) لو عاملناهم بهذا الهدي السمح.. لوجدنا منهم الشيء الكثير… من إخلاصهم، وتفانيهم في العمل، ودخولهم في الإسلام، ومن ثم كل عمل تعمله يكون في ميزان حسناتك.

 

  • وأمر بإعطائهم حقوقهم وأجورهم فور فراغهم من العمل:

    فور حلول الأوقات المتفق عليها، دون مماطلة أو تأجيل، هذا يُعطيهم نوع من الاطمئنان.

  • *مسألة ضرب الخادمة: لا يجوز ذلك البتة، وأجمع المسلمون أن من ضرب مملوكا يندب له عتقه، رجاء كفارة ذنبه وإزالة إثم الظلم عنه.

 

  • وكان آخر وصية أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته: الوصية بالصلاة، وبالخدم والعبيد:

    كانت عامة وصيته -صلى الله عليه وسلم- حين حضرته الوفاة، وهو يغرغر بنفسه: “الصلاة، وما ملكت أيمانكم”.

    أكثر من تخافين الله فيهم من هم تحت يدك، مثل: (الابن)، والخادم أكثر من الابن أن تخافي الله فيه، لأن الخادم لا رحمة له عندك مثل الابن، فما يمنع الإنسان شيئًا سوى مخافته من ربه.

     

  • *ومضة/ تعجبني بعض النساء الصالحات، إذا انتهت مدة العاملة وحان سفرها، تعطيها مقدار راتبين زيادة، وتقول لها: لأجل أن يطيب قلبك.. إن أسأتُ لك أنا أو أحد أبنائي في شيء فسامحينا.. فتسعد العاملة وتطيب نفسها.

 

 

ختامًا، أسأل الله لنا ولكم الصلاح في كل شيء

وأن نخرج من دنيانا لا ظالمين ولا مظلومين

و الحمد لله رب العالمين

 

يوم الأربعاء – الموافق 9 / 2 / 1438 هـ