ضفاف النور، الدرس الثاني: صور لتعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته.

ضفاف النور، الدرس الثاني: صور لتعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

نبدأ أُولى حلقات سلسلة (كيف عاملهم صلى الله عليه وسلم) , بأول لَبنه في الحياة الأسرية وهي العلاقات الزوجية، كيف كانت علاقته صلوات الله وسلامه عليه مع أزواجه.

تزوج الرسول عليه الصلاة والسلام إحدى عشر امرأة، ومات عن تسع منهن، وماتت خديجة وزينب بنت خزيمة في حياته صلوات الله عليه.

عاش مع زوجاته حياة تُمثِّل تطبيقا عمليا دقيقا لقوله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف “، ومن ذلك أنه كان إذا طلع بعد صلاة الصبح، قام فدخل على نسائه امرأة إمرأة، يسلم عليهن ويدعو لهن.

كان في كل يومٍ يطوف عليهن جميعًا:

مهما تعذر الإنسان بالانشغالات بالدعوة وبالعمل والتجارة و غير ذلك، لن يكون أكثر شغلاً من الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم والمربي القائد، ثم لم تكن له زوجة واحدة فقط، وإنما تسع زوجات، لا يتركهن يومًا و إنما يطوف عليهن، فيدنو من كل امرأه من غير مسيس -أي من غير جماع- حتى يبلغ التي يكون لها القَسم في ذلك اليوم فيبيت عندها، وذلك لأجل تطيب الخواطر وتأليف القلوب، فكانت نسائه لا تفقدنه يومًا.

 

ولم يترك النبي هذا الهدي مع نسائه حتى في ليلة بنائه بزوجة جديدة:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول –في موقف بناءه على زينب بنت جحش- قال: (فخرج النبي فانطلق إلى حجرة عاشة، فقال: “السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله”، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله, كيف وجدت أهلك، بارك الله لك.

ثم يأتي حجر نسائه كلهن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة.

لما رأينَ -رضوان الله عنهن- هذا الجانب الراقي اللين العظيم من الرسول -عليه الصلاة والسلام- هن أيضًا تلطفن معه وقلن: “كيف وجدت أهلك يا رسول الله”؟ ويقول أهل العلم وهذا دليل على قوة عقولهن وصبرهن وحسن معاشرتهن.

يقول القرطبي: و إن موضع الرجل الذي يتزوج بالزوجة الجديدة، لموضع تطيش معه عقول الضرائر.

 

وكان وفيًا لزوجته.

نعرف وفاءه مع خديجة -رضي الله عنها- وكيف كان يتفقد صويحباتها ويرسل لهن اللحم، وكان من حبه لها وتقديره لها، أنه ظل خمسة وعشرون عامًا لا يتزوج غيرها، أي أنه قضا أكثر ثُلثي عمره مع خديجة وفاءً وتقديرًا لها.

وكان صلى الله عليه وسلم يشرب من المكان الذي تشرب منه زوجته.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه، ويشرب من فضل شرابي وأنا حائض).

هذا الخلق العظيم من رسول الله، وهذا التلطف مع زوجاته، في وقت كانت اليهود في المدينة يعزلون المرأة إذا حاضت عزلًا مطلقًا! فتعلمين كيف أن الله بهذا الإسلام أكرم المرأة، وأعزها، ورفع من شأنها.

وكان يتسوّك من السواك الذي تسوّكت به زوجته.

وكان يُدلل زوجته فيُرخِّم اسمها: والترخيم هو: حذف آخر حرف في الاسم, فكان يدعو عائشة بِـ “عائش”.

 

و كان من حسن معاشرته لهن، مصاحبته إياهن إلى الولائم:

دعاه مرة رجل فارسي يحسن صنع المرق، فقال عليه الصلاة والسلام: “وهذه” يقصد عائشة، فقال الرجل: لا، فعاد يدعوه، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى: “وهذه” فقال الفارسي : لا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :لا ,فقام يدعوه الثالثة، فقال له الرسول “وهذه”, فقال: نعم، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله.

قال النووي: كره صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها، وهذا من جميل المعاشرة، وحقوق المصاحبة، وآداب المجالسة المؤكدة.

 

وكان صلى الله عليه وسلم يراعي مشاعر زوجته:

يقول لعائشة: “إني لأعرف إذا كنتِ عني راضية وإذا كنتي عليّ غضبى” قالت ومن أين تعرف ذلك؟ قال: (أما إذا كنتِ عني راضية فإنكِ تقولين: لا، ورب محمد، وإذا كنتِ غضبى؛ قلتِ: لا، ورب إبراهيم”، قالت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك. [ هذا أقصاها أنها لا تقسم برب محمد وإنما برب إبراهيم، ولاحظي كيف أن الرسول أدرك حتى هذا الملحظ الدقيق..].

 

وكان يواسي زوجته إذا رءاها حزينة أو مريضة:

حينما حاضت عائشة وهي في الحج، دخل عليها وهي تبكي، فقال: “مالك أنفستِ؟” -أي جاءكِ الحيض؟- قالت: نعم، قال: “إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت..”

 

وأيضًا نذكر إحدى المواقف الجميلة جدًا، عن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فلما كان في بعض الطريق, نزل رجل فساق بهن, فأسرع, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “كذاك سوقك بالقوارير, يعني النساء” فبينا هم يسيرون برك بصفية بنت حيي جملها, وكانت من أحسنهن ظهرًا، فبكتْ، وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أُخبِرَ بذلك، فجعلَ يمسحُ دموعها بيدهِ”.

يواسيها صلى الله عليه وسلم في بروك جملها، لم ينظر لبساطة السبب، أو يُحقِّر من مشاعرها.. الناس تتفاوت في قُوَّتها وتحمُّلها وعقلانيتها؛ لذا ليس المطلوب أن أعامل الناس بمستواي -إذا كنتُ شخصًا صلبًا مثلًا- إنما أتصرف مع الناس بما يكون بمستواهم.

 

وكان يعوّذ بعض أهله:

يمسح بيده اليمنى ويقول: “اللهم رب الناس أذهب البأس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا”.

وبلغ أن من رفقته صلى الله عليه وسلم بزوجاته وحسن عشرته لهن: أن ترفع زوجته صوتها عليه فيتحمل ذلك منها.

جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له فدخل، فقال: يا ابنه أم رومان وتناولها, أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فحال النبي صلى الله عليه وسلم يبنه وبينها، فلما خرج أبو بكر، جعل النبي يقول لها يترضَّاها: “ألا ترينَ أني قد حلتُ بين الرجل وبينك” ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه, فوجده يضاحكها, فأذن له فدخل، فقال أبو بكر: يا رسول الله أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في حربكما.

 

الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحنُّ على زوجاته من أباءهن:

يقول عمر بن الخطاب: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قومٌ تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبتُ عليّ امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. [أي تراددني في القول وتناظرني فيه] فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فو الله إن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليراجعنه، وتهجرنه إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقتُ، فدخلتُ على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله؟ فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم… الحديث.

الرسول صلى الله عليه وسلم  قرشي، ولكن عندما جاء إلى الأنصار، ووجد أن طبعهم ألطف وأرق وأكثر سعة للنساء من طبع قريش، ترك طبع قريش وأخذ بطبع الأنصار, وهذا دليل على أن التغيُّر إلى الأجمل والأكمل والأكثر رفقاً ورحمةً من هدي النبي -عليه الصلاة والسلام – فاتبعيه في ذلك.

 

وكان يقوم بمساعدتهن في تدبير شؤون المنزل.

وكان يسمح لنسائه النظر إلى اللَّهو المباح:

ومنه قصة عائشة: أنها وضعت ذقنها على منكب الرسول عليه الصلاة والسلام تنظر إلى الأحباش، فكان النبي يقول “حسبكِ؟” فتقول: لا تعجل، تقول: وما بي من حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه.

*وكان يقول: “كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين [ويقصد الرماية], وتأديبه فرسه, وملاعبة أهله, وتعلم السباحة”.

وكان يسابق زوجته في الجري.

وكان إذا صحب أهلة معه في السفر، سامرهنّ وتبادل معهنّ أطراف الحديث.

وكأن يُقِرُّ المزاح بين نسائه:

قالت عائشة: زارتنا سَودة فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها، فعملتُ لها حريرة [حساء مطبوخ من الدقيق والدسم والماء] فقلت: كلي فأبت, فقلت والله لتأكلن، أو لألطخنَّ وجهك، فأبتْ، فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع فخذه لها، وقال لسودة: الطخي وجهها، فلطَّخت وجهي، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا، فإذا عمر يقول: يا عبد الله بن عمر، يا عبد الله بن عمر، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “قوما فاغسلا وجوهكما، فلا أحسب عمر إلا داخلًا”.

وكان يأمرهن أن يكن قدوة لنساء المؤمنين:

فكان يقول: “قومي، فأوتري يا عائشة” وأمره لعائشة أمرًا لنساء المسلمين، وبعض أهل العلم يرى أن من يترك صلاة الوتر يُقدح في شهادته.

ختامًا، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا وإياكم وزوجات نبينا في مستقر رحمته في مقعد صدق في أعلى الدرجات، وأن لا يحرمنا مجلسه واتباعه والتعامل كتعامله، غفر الله لنا ولكم ولوالدينا ووالديكم وللمؤمنين والمؤمنات..

 

يوم الأربعاء – الموافق 11 / 1 / 1438هـ