الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد،
فالمرأة بطبيعتها أحاسيس ومشاعر على الأرض، وهذا ظاهر أشار له القرآن في قوله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا) إذ هي مشاعر أمومة فيّاضة، عبّر الله عنها بلفظ الفؤاد ولم يقل قلبًا، إذ أن تسمية القلب بالفؤاد دليل على ما فيه من حرارة المشاعر.
إن القلب أهم عضو في الإنسان، فإذا صلح فإنه يصلح جسده كله، والله جعل قوة المؤمن في قلبه، ولم يجعلها في بدنه، فكان واجبًا على المؤمن أن يعتني بقلبه ومشاعره ليحافظ على قوته، وإنّك كلما كنت ذا عناية بقلبك منذ الصغر، ظهر أثر ذلك على جوارحك، قال ابن القيم -رحمه الله: “إنَّ لله على العبد عبوديتَين؛ عبوديةً باطِنة وعبوديَّة ظاهرة، فله على قلبه عبوديَّة، وعلى لسانه وجوارحِه عبودية…” إلى أن قال: “فعمل القلب هو رُوح العبوديَّة ولبُّها، فإذا خَلا عمَل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا رُوح”.
إن السائرون إلى الله تعالى في أعمال القلوب أقسام:
– الأول: وهم قسم اعتنَوا بالأعمال الظَّاهرة وجعلوها دأبَهم من غير حِرص منهم على تَحقيق أعمال القلوب، وإن لم يكونوا خالين من أصلها، ولكنَّ هِمَمَهم مَـصروفة إلى الاستِكثار من الأعمال الظَّاهرة.
– الثاني: قسم صرَفوا اهتمامَهم بصَلاح قلوبهم، واعتنَوا بأعمال القلوب؛ غير أنَّهم ترَكوا بعضَ ما يحبُّه الله من الأعمال الظَّاهرة؛ كالدَّعوة إلى الله، وتعليمِ النَّاس الخير، ونحوِ ذلك.
– الثالث: قسمٌ توسَّطوا؛ فاعتنَوا بأعمال القُلوب كما اعتنَوا أيضًا بالأعمال الظَّاهرة، غير أنَّ لعمل القلب عندهم فضلًا.
ولأعمال القلوب أهمية في حياة المسلم منها:
– أن أعمال القلوب واجبة، بل أشدُّ وجوبًا من أعمال الجوارح، ويخطئ من يعتقد أنها من باب الفضائل فيتركها، ولا يتجرأ أن يترك أمرًا من واجبات بدنه.
– أنها سبب للثواب، والتقصير والتفريط فيها قد يكون سببًا للعقاب في الدنيا والآخرة، كما هو الحال في أعمال الجوارح.
– إن العبادات القلبية هي الأصل والعبادات البدنية تبع ومكملة لها.
– أن العباد يتفاضلون بتفاضل أعمالهم، قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى صدره ثلاث مرات ويقول: (التقوى ها هُنا).
ومن أعمال القلوب المهمة والتي ينبغي مراعاتها “الحب” فهي عاطفة متجذرة في التركيب الإنساني، يجب في حقها التوجيه والتوازن لئلا تحيد عن الصواب ويصبح الهوى لها مُحكِّمًا، وقد جُعلت لنا أسباب نستجلب بها محبة الله تعالى فمنها:
– معرفة نعم الله على عباده التي لا تعد ولا تحصى.
– معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله فمن عرف الله أحبه ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه وأسكنه في جواره.
– التفكر في ملكوت السماوات والأرض الدالة على عظمة الله وقدرته وجلاله… وهذا يقوِّي معرفة العبد بالله فتقوى المحبة وتتحصل لذة العبادة.
– معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى فإن ذلك سبب لفضل الله على عبده وأن يمنحه محبته.
– كثرة ذكر الله تعالى فمن أحب شيئا أكثر من ذكره.
– كثرة تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر ولا سيما الآيات المتضمنة لأسماء الله وصفاته.
– تذكر ما ورد في الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم واجتماعهم يوم المزيد فهذا يجلب الشوق والمحبة.
وإن محبة الله تستجلب للعبد ثمرات عظيمة:
– أولاً: حبُّ الناسِ له والقبول في الأرض، كما في قوله تعالى : (سيجعل لهم الرحمن ودًا).
ولك أن تتفكر بالذين نحبهم بدون معرفة سابقة بهم، فهؤلاء ضجّت السماء بذكرهم، فكيف لو كنت منهم؟!
– ما ذكره الله من فضائل عظيمة تلحق أصحابه في حديث : “إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ… الحديث”.
في قصة تدل على حفظ الله لعبده وقدرته اكبر من أعظم الملوك، أن امرأةً جاءت تطلب المأمون أن يطلق سراح ابنها، وكان المأمون قد نسيه في السجن، فقال ائتوني بكتابه، فأخذه يريد أن يكتب اقتلوه فيكتب أطلقوه، فيمسحها ويكتب مرة ثانية فيخطأ فيكتب أطلقوه، في ثلاث مرات، علم عندها أنها قدرة إلهية حامية لهذا السجين، فيالله ما أخفاه من عمل جعل هذه الحماية تحيطه !
– إن من أحب الله تعلق به من تعلق بالله اكتسب العزة والشرف، والتعلق بالخلق يكسب الذلة والسقوط بحسب تعلقه بهم.
وإن من ثمرات التعلق بالله والاستغناء عن الناس أن تكون للعبد الكفاية والوقاية ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
ومن تعلق بغير الله عُذّب به، قال ابن تيمية رحمه الله:( واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن… إذا كان القلب -الذي هو الملك- رقيقا مستعبدا متيما لغير الله فهذا هو الذل والأسر المحض والعبودية لما استعبد القلب).
وإن التعلق بغير الله يكسر صاحبه، وقد يجر عقابه على المكان كله كما في قوم لوط، الذين خالفوا الفطرة وتعلق الرجل بمثله والمرأة بمثلها.
ومن القصص أن شابًا تعلّق بشاب مثله يقال له أسلم حتى إذا جاء احتضاره قيل له قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقال (أسلم يا راحة العليل.. ويا شفاء المدنف النحيل.. رضاك أشهى إلى فؤادي.. من رضا الخالق الجليل) ومات على ذلك والعياذ بالله من سوء الختام.
وإن العلاج لهذا الداء له خطوات من ابتغاها بصدق وعزم تخلّص من عاطفة التعلق:
– الدعاء وصدق التوكل على الله.
– المفارقة وقطع وسائل التواصل.
– غض النظر وترك تتبع الأخبار.
– الانشغال بالأعمال الصالحة.
– الابتعاد عن سماع قصائد الحب حتى لو كانت عن الأخوة.
– الزواج لمن استطاع.
اللهمّ تولّ قلوبنا لا يتولاها إلا أنت، وزكِّها أنت خير من زكاها، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.