الدرس التاسع: تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأغنياء

الدرس التاسع: تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأغنياء

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله،

ألقينا الضوء على جوانب من تعامله مع الفقراء.

حيث كان صلى الله عليه وسلم يُطعمهم مما عنده أحيانا، وأحيانا يصطحبهم إلى بيته، وأحيانا يأمر بالصدقة عليهم أو يعرض على أصحابه استضاتهم، وأحيانا يُصبرهم ويسليهم ويذكر لهم ضل الجوع، وأحيانا يرشدهم إلى اعمل والتكسب، ونحو ذلك..

أما إخوانهم الأغنياء فهاكِ صورٌ من تعامله معهم صلى الله عليه وسلم:

شهد بفضل ذوي الفضل منهم في خدمة هذا الدين:

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما نفعني مالٌ قط ما نفعني مالُ أبي بكر”.

فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلّا لكَ يا رسول الله.

  • وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهّز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، فصبّها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم.

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده، ويقول: “ماضرَّ ابن عفّان ما عمل بعد اليوم” يُردّدها مرارًا.

ومع انتفاعه صلى الله عليه وسلم بمالهم في الدعوة إلى الله، إلا أنه كان يحب أن ينفق على القرب والطاعات من ماله الخاص.

ومن ذلك موقف النبي حين أراد الهجرة، فأتى أبا بكر وقت الظهيرة على غير عادته؛ ليخبره، ودار بينهما الحديث التالي:

الهجرة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وكان صلى الله عليه وسلم يزورهم ويأكل عندهم، ويرشدهم لأفضل وجوه الصدقة:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرَحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب.

قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” [آل عمران:92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” وإن أحب أموالي إليَّ بَيْرَحاء، وإنها صدقة لله أرجو برّها، وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله، حيث أراك الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بخٍ، ذلك مالٌ رابح، وقد سمعتُ ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين”.

فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله.

فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، وكان منهم: حسَّان، وأبي بن كعب.

 

 

ويزورهم صلى الله عليه وسلم في المرض ويحثهم على الوصية بأقل من الثلث:

عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في مرض أصابه، فقال سعد للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثُلُثَيْ مالي.

قال: “الثلث يا سعد، والثلث كثير، إنك أن تذر ذريتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولست بنافق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ىجرك الله بها ، حتى اللقمة تجعلها في فِيِ امرأتك [أي: فمها].

 

 

وكان يُبيِّن لهم أن مال الإنسان الحقيقي هو ما قدَّمه في سبيل الله، وأن ما تركوه هو الفاني:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيكم مالُ وارثه أحبُّ إليه من ماله؟”.

قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه.

قال: “فإن ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر”.

“فإن ماله ما قدَّم” أي: قدمه قبل موته بأن صرفه في مصارف الخير.

“ومال وارثه ما أخَّر” أي: ما أخره من المال الذي يتركه، ولا يتصدق منه حتى يموت.

تساؤل/

هذا الحديث يدل على أن إنفاق المال في وجوه البر أفضل من تركه لوارثه، وهذا يُعارض حديث سعد السابق: “إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس”.

الإجابة/

لا تعارض بينهما، فحديث سعد محمول على من تصدق بماله كله أو معظمه في مرضه، وحديث ابن مسعود في حق من يشح عن التصدق في صحته، وليس فيه الأمر بصدقة المال كله.

 

 

كان لا يقبل من أحدهم التصدق بجميع ماله، وربما قبل ذلك من بعضهم لما عنده من التوكل، والصبر على الفقر ، والتعفف عن المسألة، كما فعل ذلك أبو بكر ولم  يُنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الطبري: “قال الجمهور: من تصدق بماله كله في صحة بدنه، وعقله، حيث لا دَّين عليه، وكان صبورًا على الإضاة، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضا، فهو جائز، فإن فقد شيءٌ من هذه الشروطِ كره”.

 

وكان يُثني على أفعال الخير التي يفعلونها:

فقال صلى الله عليه وسلم: “فمن كان من أهل الصلاة؛ دُعيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دُعيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام، دُعيَ من باب الرَّيان، ومن كان من اهل الصدقة؛ دُعيَ من باب الصدقة”.

فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دُعيَ من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟

قال: “نعم وأرجو أن تكون منهم”.

 

وكان يُعوِّدهم على التجارة مع الله تعالى، لأنها هي التجارة الرابحة:

ومن ذلك موقف أبو الدحداح وقول الرسول له: “كم من عذقٍ راح لأبي الدحداح”.

في القصة التالية:

كم من عذق راح لأبي الدحداح في الجنة

 

هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، واهدنا بهديه وحلِّنا بخلقه وارزقنا شفاعته ورفقته في الجنة

والحمد لله رب العالمين