بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد..
أولًا: “تعامله صلى الله عليه وسلم مع أقربائه”
- كان دائمًا يُوصي بأقاربه وأهل بيته :
قل صلى الله عليه وسلم: “وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي”.
وأهل بيته هم: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
- وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على دعوة أقاربه:
فحين أنزل الله: “وأنذر عشيرتك الأقربين” قال : “يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا”.
إنما قوله هذا أي: لا تتَّكِلوا عليَّ فأنا لا أستطيع أن أدفع عنكم ضرًا أراده الله بكم.
- وكان صلى الله عليه وسلم يثني على قرابته، ويعرف لهم حقهم وقدرهم:
قال للعباس: “هذا عباس بن عبد المطلب أجود قريش كفًّا و أوصلها”.
- وكان يأخذ بنصيحتهم ومشورتهم:
جاءه العباس عام الفتح بأبي سفيان بن حرب، فأسلم. فقال العباس للرسول: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فلو جعلت له شيئًا، قال: “نعم، من دخل دار أبي سفيان؛ فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه؛ فهو آمن”.
- كان يصحح لهم عباداتهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر:
كان الفضل، رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا، فجاءت امرأة، تسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم، وجعل الفضل ينظر إليها، فكان الرسول يدير وجه الفضل إلى الشق الآخر.
- كان يستعين بهم ويستعملهم في شؤون حياته جميعا:
ومن ذلك: أنه جعل ابن عمه جعفر على رأس المهاجرين إلى الحبشة، وأول من حمل الرسالة إلى ملك الحبشة، وهو الذي تكلم أمام النجاشي شارحًا له دين الإسلام بأوجز عبارة. ولما قَدِم من الحبشة – وكان بعد فتح خيبر- فرح بقدومه صلى الله عليه وسلم واستبشر، وقام إليه والتزمه وقبَّل ما بين عينيه واعتنقه، وقال: “ما أدري بأيهما أنا أُسَرُّ: بقدوم جعفر أو بفتح خيبر”.
- كان صلى الله عليه وسلم يحنو على الصغار ويحملهم ويمسح على رؤوسهم:
حتى أن أغلب الصغار كانوا يذكرون تلك المحاسن للرسول -صلى الله عليه وسلم- منهم عبدالله بن جعفر، قال: ونحن صبيان نلعب إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم على دابة فقال: “ارفعوا هذا إلي” فحملني أمامه، وقال لقثم: “ارفعوا هذا إلي” فجعله وراءه. قال: ثم مسح على رأسي ثلاثًا، وقال كلما مسح: “اللهم اخلف جعفرا في ولده”.
- كان يدعو لمن حوله من أقاربه وأحبابه:
ونحن من من نرى من أهلنا على ضلال فلندعوا له، ومن نراه على حق بأن يثبته الله على الصواب.
- كان أيضًا صلى الله عليه وسلم يعلمهم الأدعية النافعة:
عن العباس بن عبدالمطلب قال: قلت يا رسول الله، علمني شيئا أسأله الله عز وجل.
قال: “سلِ الله العافية”.
فمكثت أياما، ثم جئت، فقلت يارسول الله، علمني شيئا أسأله الله.
فقال لي: ” يا عباس، يا عم رسول الله، سلِ الله العافية في الدنيا والآخرة”.
نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة
- وكان يشجعهم على الخير دائما ويحثهم عليه.
وغير ذلك من صور إحسانه وهديه صلى الله عليه وسلم مع أقاربه، فكيف حالنا نحن مع أقاربنا؟
ثانيًا: “تعامله صلى الله عليه وسلم مع جيرانه”.
- قرن الله حق الجار بحقه: قال تعالى: ” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ”.
- ما المقصود بالجار ذي القربى؟
أي القريب، يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: اجتمع فيه حقان، حق الجوار وحق القرابة. “والجار ذي الجنب” ليس له قرابة ولكنه بجانبك، هذا الجار حقنا عليه الهدية والسلام، وطلاقة الوجه والإحسان إليه في كل حال.
- فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان له جيران من الأنصار من بني النجار، كانوا يتفاخرون بجيرتهم بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت السيدة عائشة تثني عليهم وتذكرهم بالخير، تقول: كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون الرسول من ألبانها فيسقينا. [المنائح: جمع منيحة، وهي أن يعطي الرجل شاة أو ناقة إلى جاره يستفيد من ألبانها ووبرها زمنا، ثم يردها إليه].
أيضًا كان للرسول جيران من المهاجرين منهم: أبو بكر وعلي وأبو العباس وغيرهم كثير…
- سُئِل عطاء الفرساني: ماحق الجار على الجار؟
قال: “إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا مرض عدته،… وإذا اشتريت فاكهة فاهدي له، فإن لم تفعل فأدخلها سِرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده”.
لا يخرج الأولاد الصغار يأكلوها أمامهم حتى ما يشتهوها!
أين عطاء الخرساني اليوم ليرانا ويرى حالنا مع جيراننا؟ نصوّر لهم افطارنا، وغداءنا وعشاءنا، ذهابنا إلى المطاعم، اجتماعاتنا ومناسباتنا… وكأننا نقصد غيظ جيراننا وأقاربنا والجميع… لا نفكر في نفوسهم.
- جعل صلى الله عليه وسلم من كمال الإيمان حفظ الجار والإحسان إليه وتفقد أحواله:
ونفى الإيمان عمّن لا يكف شره عن جاره، قال: ” والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه” أي جاره لا يأمن شره، هذا يدل على أن الإضرار بالجار من الكبائر، حيث نفى عنه الإيمان، وجعله محروما من دخول الجنة.
- وبيّن أن أذية الجار أشد من أذية غيره:
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال يوما لأصحابه: “ما تقولون في الزنى؟ قالوا حرمهما الله ورسوله إلى يوم القيامة، قال لإن يزني الرجل بعشرة نسوة؛ أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره… الحديث”. جعل الرسول زنا الرجل بامرأة جاره؛ كأنه زنى بعشرة بيوت!
- الوصية بالجار تشمل المسلم و غير المسلم:
عن مجاهد أن عبد الله بن عمروٍ ذُبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي، أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مازال جبريلُ يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.
وقال ابن حجر: يشمل حق الجار المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، وابن البلد والغريب، وكل الفئات.
- عد النبي الجار الصالح من سعادة المرء:
قال صلى الله عليه وسلم: “من سعادة المرء الجار الصالح، والمركب الهنيء، والمسكن الواسع”.
وكان صلى الله عليه وسلم دائما يستعيذ من جار السوء في دعائه: “اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المُقامة؛ فإن جار البادية يتحول”.
- وبيَّن أن خير الجيران خيرهم لجاره:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”.
ما معنى خيرهم؟ أي: أكثرهم إحسانا إليه، ولو بالنصيحة.
- وبيَّن أن الجار كلما كان أقرب كان حقه أعظم:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “يا رسول الله، إنَّ لي جارين، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: “إلى أقربهما منك بابًا”.
والحكمة فيه: أنَّ الأقرب دائما يرى ما يدخل ويخرج من بيتك، وقد يتشوّف إليه، بخلاف البعيد .
- اختلف العلماء في حد الجوار:
والأقرب أن الجار حده: ما كان في العرف أنه جار فهو جار.
- وحثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على إهداء الجيران لبعضهم ولو بالشيء اليسير:
فقال:”يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة”.
أي: حتى ولو بحافر الشاة, أي قد يكون القصد: لا تحتقري الشيء البسيط الذي تهديه لجارتك.
أو يحتمل: ألا تحتقر الجارة ما يأتيها من جارتها ولو كان شيئًا يسيرًا، إنما في ذلك حث على التعاهد لأن الشيء الكثير لا يتوفر دائمًا، بخلاف الشيء اليسير و (من سقطت كلفته دامت ألفته) عندما يكون بينكِ وبين الجيران بساطة تزيد الألفة بينهم.
- وحثّ على تعاهد الجيران بالطعام:
فقال يومًا لأبي ذر: “يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك”. نحن اليوم يبقى من طعامنا الكثير، وأحيانا نتركه إلى أن يفسد ويُرمى، لو نرسل من ذلك لجيراننا؛ لاتبعنا هدي نبينا، وحفظنا نعمة ربنا.
- وكان يحتمل الأذى من جيرانه صلى الله عليه وسلم:
ليس فقط يكف الأذى، أيضا يحتمل الأذى، قال الحسن: ليس حُسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار احتمال الأذى.
- أيضًا جعل كلام الجيران مقياس معرفة الرجل المحسن من المسيء:
قال صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعت جيرانك يقولون أن قد أحسنت، فقد أحسنت. وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت”.
- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرشد دائما إلى عدم منع الجار ما يحتاجه:
من ذلك ما جاء عن أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إذا استأذن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه”.
هذا من صور حال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع جيرانه وحاله مع أقربائه، فلنراجع أنفسنا ونرى كيف حالنا، ونتبع هدي نبينا صلى الله عليه وسلم.
وجزاكم الله خيرًا وصلى الله على نبينا محمد.
يوم الأربعاء – الموافق 25 / 1 / 1438هـ