بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
“كيف كان تعامله -صلى الله عليه- وسلم إذا حلَّ ضيفًا أو كان مُضيفًا؟”
- أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله كريم يحب الكرم:
قال: “إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأمور ويكره سفاسفها”.
- جعل صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف من علامات الإيمان:
قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه”.
وإكرامه: تلقِّيه ببشر, وتعجيل ضيافته، والقيام بنفسه في خدمته.
- ومدح من يُقري الضيف، وجعله من خيرة الناس:
عن ابن عبس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك؛ فقال: “مافي الناس مثلُ رجلٍ أخذ بعنان فرسه، فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل بادٍ غنمه، يقري ضيفه، ويؤدي حقه”.
- وبيَّن أن الضيافة حق على كل مسلم، وبيّن مقدارها وحدودها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه جائزته” قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: “يومه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه. ولا يحل لرجل مسلم يقيم عند أخيه حتى يؤثمه”.
قال: “يقيم عنده؛ ولا شيء له يقريه به”.
فالحق الواجب: يوم وليلة، والمستحب: ثلاثة أيام، وما كان فوق ذلك فهو صدقة.
- وفي أوقات المخمصة والشدة يتجلى إكرامه للضيف.
- وإذا لم يجد ما يُقري به الضيف؛ دفعه إلى بعض أصحابه ليُقريه.
- وكان يقوم على خدمة أضيافه صلى الله عليه وسلم:
قصة جابر التي يرويها -رضي الله عنه- يقول: “إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كديةٌ شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كديةٌ عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبًا أُهِيل، فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت.
فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر، أفعندك شيءٌ؟
قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأكافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيمٌ لي؛ فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان.
قال: كم هو؟
فذكرت له.
قال: كثير طيب!
قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي.
فقال: قوموا. فقام المهاجرون والأنصار،
فلما دخل على امرأته قال: ويحك! جاء النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار معه،
قالت: هل سألك؟
قلت: نعم.
فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا،
فجعل يقسم الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذوا منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية
قال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة”.
- وكان يتواضع إذا حلَّ ضيفًا فيقبل الدعوة، وإن كانت على شيء يسير، ويقبل دعوة الغلام، ويجيب دعوة اليهودي؛ تأليفا لقلبه.
- وإذا دعاه أحد، فتبعه من ليس بمدعو؛ استأذن له من صاحب الدعوة:
دعا أحد الأنصار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طعام، فأتاه الرسول وتبعه رجل، فلما بلغ الباب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن هذا اتبعنا، فإن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع”.
قال: لا، بل آذن له يا رسول الله.
- وبالجملة، فقد كان النبي يقتفي أثر أبيه إبراهيم (أبي الضيفان) في قرى الضيف:
- وقصته عليه السلام مع ضيوفه، قصَّها الله تعالى في قوله: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ”.
- وفي القصة آداب جليلة في الضيافة، نذكر شيئًا منها:
- “قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ” يرحب بهم وهو لا يعرفهم، بل ومجيئه لهم بعجل سمين، فهو غاية في الكرم والجود عليه السلام.
- جاءهم بالطعام دون أن يعلموا لئلا يُحرجوا، “فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ” أي انسلَّ خفية.
- السرعة في الإتيان بالطعام، حيث قال الله عنه: “فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ” ولم يقل: ثم جاء بعجل سمين.. والفرق: أن (الفاء) تدل على التعقيب أي المباشرة و السرعة، و(ثم) تفيد التراخي.
- قرب الطعام إليهم ولم يأمرهم بالقيام إلى الطعام ” فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ”.
- “قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ” دعوة للأضياف للطعام في غاية اللطف.
هذا، والسنة مليئة بالمواقف التي يظهر فيها أدب الرسول -صلى الله عليه وسلم- سواء كان ضيفًا أو مُضيفًا، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
يوم الأربعاء – الموافق 2 / 2 / 1438 هـ