بسم الله، والحمد لله، و الصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أولًا: “تعامله صلى الله عليه وسلم مع أبنائه”
معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم رُزِق بأربع بنات وثلاث أولاد، فمن الإناث: فاطمة -رضي الله عنها- وهي الوحيدة التي عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
(وأنتم في هذه المرحلة العمرية من الممكن أن ترددون هذا الكلام أو تسمعونه ويمر عليكم بعبرة، لكنها لن تكون كعبرتك عندما تكونين أمًّا وتعيشين هذه اللحظات، ابتلاء عظيم جدًا موت أبنائه واحدًا تلو الآخر، ثم بناته، بل عايش موت أحفاده صلى الله عليه وسلم).
وكل أبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- من خديجة عدا إبراهيم –رضي الله عنه، والقاسم أكبر أبناء النبي صلى الله عليه وسلم وبه يُكنّى, وقال: “تسمّوا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي”؛ خشية اللبس، فإذا كان اسم الإنسان محمد، ينبغي أن لا يُكنّى بأبي القاسم على النبي – صلى الله عليه وسلم.
أبناءه من الذكور: (القاسم وعبد الله وإبراهيم) وتوفوا جميعا صغارا.
- وأبنائه من الإناث: زينب وهي الكبرى, ثم رُقيَّة، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة وهي أصغرهنّ –رضي الله عنهنّ.
- تزوَّجت زَيْنب ابن خالتها أبو العاص ابن الربيع، أما رُقية فتزوجت عثمان –رضي الله عنه، وبعد وفاتها تزوّج بأم كلثوم، وتزوجت فاطمة علي ابن أبي طالب –رضي الله عنهم جميعا.
وهذه من إحدى اللفتات في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اختار لبناته أكفأ الرجال للزواج، فأبو العاص ابن الربيع كان من أفضل رجال قريش خُلُقًا ودينًا ومالًا، وعُرف بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثنى عليه.
وعثمان –رضي الله عنه- أيضًا من أشهر رجال قريش مكانة، وعُرف بالحياء، وتُلاحَظ مكانة عثمان –رضي الله عنه- حيث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُزوجه واحدة فقط من بناته بل زوجه اثنتان، وهذه علامة محبة ورضا كبيرة من النبي -صلى الله عليه وسلم- بل هي شهادة له بالعدالة التامّة.
(وعيشوا معي لحظات النبي الأب صلى الله عليه وسلم, في معركة بدر وخروج المسلمين لمجابهة الأعداء، تمرض ابنته رقيّة –رضي الله عنها- والنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه اللحظة يتجهّز للقاء العدو، ويخلّف في المدينة عثمان –رضي الله عنه- يأمره أن يجلس لرعاية زوجته، ووعده -صلى الله عليه وسلم- أن يوضع له سهم، وأن يكون له أجر من قاتل في بدر؛ فنستشعر كيف أن الإسلام قدّر المرأة؛ فكونه يجلس في رعاية زوجته أثناء مرضها كُتِب له أجر جهاد).
أما فاطمة فمعروف محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، رُويَ أنها إذا دخلت كان النبي صلى الله عليه وسلم يرحب بها ويقول: “مرحبا يا ابنتي” بل كان يقوم ويُقبِّلها ويجلسها بجانبه.
(المعاملة هذه التي يعاملها محمد صلى الله عليه وسلم لبناته لماذا نقف عليها؟ لأنها كانت في وقت تُقتل فيه البنت وتُدفن وتُرى عارًا على أهلها!).
وأيضا لما خُطبت فاطمة –رضي الله عنها- (وهنا ملاحظة لابد أن نستحضرها في وقتنا الحالي: أنه لا يجوز للولي مهما كانت كفاءته وعدالته أن يزوّج موليته بدون إذنها؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مع أنه نبي ويُوحى إليه, لكن مع ذلك استأذن فاطمة –رضي الله عنها- قال: “ذكركِ علي” يعني يقصد: خطبك, فسكتت فاطمة –رضي الله عنها- حياءً، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم).
*(وهنا وقفة هامة، ماذا كان مهرها -رضي الله عنها- ؟ سيّدة نساء العالمين وبنت النبي -صلى الله عليه وسلم، كل هذا الشرف وكل هذا العز في الدنيا والآخرة، مع ذلك كم كان مهرها؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي –فيما معنى الحديث-: ما عندك لتعطيه فاطمة؟ قال: ما عندي شيء, قال فأين درعك الحطمية؟ فتذكرها علي –رضي الله عنه- فأحضرها, وزوّجت خير نساء العالمين بدرع).
فالمغالاة في المهور ليس دليل كرامة، لو كان كذلك لكان الأولى لخير نساء العالمين.
* ووليمتها كانت يسيرة أيضا ومباركة، أمّا جهازها فكان: خميلة, ووسادة من أدم ورحْيين، وسقاء، وجرّتين. ومن الذي جهزها هذا التجهيز؟ أبوها صلى الله عليه وسلم.
وهذا فيه استنباطات للعلماء:
أولها/ أنه يجب على الإنسان أن يعرف أن علوّ المهر أو دنوّه ليس قياسًا أبدًا لكرامة المرأة.
ثانيًا/ مساعدة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي –رضي الله عنه، بإحضاره لبعض التجهيزات؛ لأن الغالب للأب أن تكون حالته مستقرة وفي يسر، بعكس الشاب الذي في بداية حياته؛ لذا استنبط العلماء أنه يحسن لمن صاهر أحدًا أن يعينه بما يستطيع.
ولم ينتهِ دوره صلى الله عليه وسلم كأب عند تزويجه ابنته، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة -رضي الله عنها- فلم يجد عليًا -رضي الله عنه- فقال: «أين ابن عمك؟» فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لرجل: «انظر أين هو»؟، فقال: هو في المسجد راقد، فجاء وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «قم يا أبا تراب، قم يا أبا تراب»، قال راوي الحديث سهل بن سعد: وما كان لعلي اسم أحب إليه منه.
ومن فوائد القصة:
أدب فاطمة –رضي الله عنها- في أنها حفظت سرّ زوجها، فقالت: كان بيني وبينه (شيء)، ولم تقل ما هو.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا لم يسألها أبدًا عن سبب الغضب والمشكلة.
أيضًا لم يجلس ويراضي فاطمة، بل سأل عن علي وذهب إليه، ومن هنا قال العلماء: أنه إذا كان صهر الإنسان رضيًا وكفؤًا دينًا وخلقًا، يجب على الأب التنازل عن بعض حقه، وأخذ ما بخاطره، وإزالة ما في نفسه عند حدوث مثل هذه المخاصمات، ما يكون أهل البنت مع ابنتهم، وأهل الولد مع ولدهم.
ثانيًا : “تعامله صلى الله عليه وسلم مع أحفاده”
النبي صلى الله عليه وسلم رُزِق بسبعة من الأحفاد, أشهر أحفاده من فاطمة –رضي الله عنها- الحسن والحُسَين.
عن بُرَيْدَةَ (بن الحُصَيْبِ) قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما؛ عليهما قميصان أحمران، يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فَصَعِدَ بهما المنبر، ثم قال: “صدق الله: ” إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ “؛ رأيت هذين فلم أصبر؛ ثم أخذ في الخطبة).
عن عبدُالله بنُ شدَّاد بن الهادِ -رضي الله عنه- عن أبيه، قال: (خرج علينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حاملٌ حَسَنًا أو حُسينًا، فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبَّر للصلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها، قال أبي: فرفعتُ رأسي، وإذا الصبيُّ على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجدٌ، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ قال الناس: يا رسولَ الله، إنَّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً أطلْتَها حتى ظننَّا أنَّه قد حدث أمر، أو أنَّه يُوحى إليك؟! قال: “كلُّ ذلك لم يكن، ولكنَّ ابني ارتحلَني؛ فكرهتُ أنْ أُعجلَه حتى يقضي حاجته”).
وهذه المواقف تشير إلى أنّ حسن تعامله -صلى الله عليه وسلم- مع أحفاده هو حسن تعامله مع بناته؛ لأنهم امتدادهن.
واستنتج العلماء من هذا: أنه لو شكّ أهل المسجد أن الإمام أصابه شيء، يجوز للمصلي أن يرفع رأسه يرى حال الإمام ويرجع يسجد، وليس عليه حرج؛ بدليل فعل الصحابي –رضي الله عنه-.
ومن حبّه لبناته أيضًا: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يحثهم على الصدقة، ويأمرهم بالتقلل من الدنيا، وكلنا يذكر قصة فاطمة –رضي الله عنها- سيدة نساء العالمين، عندما أتعبها شغل البيت فأرسلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيها بخادم، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها ابنته؛ يريد لها الكمال الأخروي؛ فحثها ووجهها أن تقول: (سبحان الله 33) و(الحمد لله 33) و(الله أكبر 34) خير من خادم.
أخيرًا،
إن كنتِ تريدين القرب منه صلى الل عليه وسلم؛ تعرّفي على سيرته، فالقراءة في السيرة تصلك بالنبي -صلى الله عليه وسلم- سلوكيًا وروحيًا، وتدفعك للمزيد من العمل والإتقان والسّباق في الوصول للجنّة ولقاءه.
جمعنا الله فيها نتذكر حديثنا هذا، مع النبي صلى الله عليه وسلم وآله وموتانا وموتى المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
يوم الأربعاء – الموافق 18 / 1 / 1438هـ