سلسلة دروس (ضفاف النور).
من كتاب “كيف عاملهم” للشيخ محمد بن صالح المنجد
الدرس الأول: قدوةٌ للعالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
عُدنا إلى هذه المجالس والعودُ أحمدُ ، وكما نعلم عظم هذه المجالس ولا سيما عظم موضوعها وهو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .
- كونه أول مجلس لعلنا نذكر شيئًا مما يحببنا في الاستمرارية في حضور مثل هذه المجالس, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل – وهو أعلم بهم: من أين جئتم، فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك و يهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني، قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي، قالوا: ويستجيرونك، قال: و ممَ يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا، قال، فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطَّاء، إنما مرَّ فجلس معهم، قال، فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ).
فتخيلي إن كنتِ في كل يوم أربعاء تظفرين من بداية اليوم بمثل هذه الهدية، وكأنك في غسيل متجدد من الذنوب. نسأل الله ذلك.
بإذن الله ستتحدث مجالسنا عن كيف كان تعامله صلى الله عليه وسلم مع كل الناس في حياته مع اختلافهم، نجد عظمة مذهلة سبحان الله! يأتي بأفضل تصرف.. فهو القدوة التي ينبغي للمسلم أن يتبعها.
- كثير من الناس يريدون الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- دون علم, فيفسدون أكثر مما يصلحون؛ فنحتاج أن نقتدي بالرسول بشكل علمي صحيح.
- نحن مأمورون بالاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول كان مأمورًا بالاقتداء بالأنبياء من قبله (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) وإذا كان هذا أمرا للرسول فأمته تبع له فيما يشرعه، ويأمرهم به.
- ماهي الأمور التي أُمرنا أن نقتدي فيها بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟
- القوة في طاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته.
- كثرة ذكرهم لله عز وجل.
و السؤال الجميل هنا -كل واحدة تسأل نفسها- : كم مساحة الذكر في حياتك؟
التزام أذكار الصباح والمساء فيه خير كثير.. لكن ماذا عن حالك باقي يومك؟
كيف تكون لذة الحياة، وكيف يكون هذا القلب وهو يلهج في كل الأحوال بذكر ربه، هنيئا لك إن كنتِ ممن فتح الله لها بابا في المناجاة.
- الأنبياء كانت قصصهم مع الدعاء عجيبة، سورة الأنبياء ورد في آخرها تسلسل جميل جدا، وكيف أن الله أعقب دعاء كل نبي بقوله: فاستجبنا له فاستجبنا له فاستجبنا له.. تجدين أنه لا يوجد هم تمرين به، إلا وأحد الأنبياء مرَّ به.
– في حالة أيوب عليه السلام (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) للمرضى.. لكل من ابتلوا بأي ضرر في حياتهم، تأملي الآية التي تليها مباشرة: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ) ذكرى لكل عابد في هذه الحياة إلى قيام الساعة.
– ويونس عليه السلام: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) بقدر ما معك من الإيمان ستكون نجاتك بإذن الله.
– وتأملي زكريا: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ).
* يا الله! ما هو السر الموجود عند هؤلاء الأنبياء حتى تأتي هذه الإجابة العظيمة المذهلة، ماذا يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
* هي ما كانت تدعي فقط لأنها وقعت في مشكلة، هي قلبها معلق بربها في كل اللحظات، وهي في المحاضرة.. فمها يتمتم تذكر الله سبحانه وتعالى، في مجلس كهذا يُذكِّرُها بالجنة.. تسأل الله الجنة، وهكذا.. قلبها معلق في كل الأحوال؛ فالمسارعة في الخيرات ودعاء الله رغبًا ورهبًا والخشوع له, من الأشياء التي يترتب عليها إجابة الدعوات.
- خشوعهم وبكاؤهم عند ذكر الله عز وجل.
موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر لما اشتد الكرب؛ اشتدت مناجاة الرسول لربه، فمازال يهتف، رافعاَ يديه، مستقبلاَ القبلة، حتى سقط رداءه عن جسده عليه الصلاة والسلام، في ذلك الموقف أتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من وراءه -تأملي الصدِّيق يثبت الرسول عليه الصلاة والسلام- يقول له: (يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك إنه سينجز لك وعدك كما وعدك).
كم واحدة منا لديها هذه الصاحبة، التي لو مرت بكرب عظيم، تأتيها وتثبتها وتقول: والله لا يخزيك الله أبدا، أنتِ اللهم بارك تفعلين كذا وكذا، وربي لن يضيع إحسانك (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
* الشاهد، أن الرسول وهو المؤيد بالوحي من السماء كان هذا حاله من الإلحاح والتضرع لله عز وجل.
وجميل لو كل واحدة تسأل نفسها: متى آخر مرة بكيتي فيها لله سبحانه؟
الله لما أثنى على الأنبياء في سورة مريم ماذا قال؟ قال: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩).
- الاقتداء بهديهم في قوة العلم بالله عز وجل.
فكلما كان الإنسان أعلم بربه كان أشد له تعظيمًا، وعبادة، وخوفًا، ومحبة، وإنابة.
______________________________
- لماذا نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
لأن حياته هي حياة أكمل الناس، وطاعة لأمر الله عز وجل، ولأن الرسول فقط الذي له العصمة من الله سبحانه، وحياته عليه الصلاة والسلام مليئة بالكثير من العبر: تأتين إلى الموقف في السيرة وتجدين كل عالم من العلماء يخرج بمئات من الفوائد، حتى تقولين انتهت الفوائد من هذا الموقف! ثم يأتي من هو بعده ويستخرج فوائد وعبر أخرى..، والاقتداء بالرسول شرط للفلاح والنصر.
- بعض جوانب الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام/
- قدوة في الخُلُق الحسن:
انظري إلى ما ذكره أنس رضي الله عنه يقول: (والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لمَ فعلت كذا وكذا أو لشيء تركته هلَّا فعلت كذا وكذا).
لو أردنا أن نأخذ سيرة ذاتيه عن أخلاقك، من أكثر شخص يستطيع أن يخبرنا الشهادة التي لا تحتاج أبدًا أي إثباتات؟ هم الناس المرافقين لك، اخوتك، والداك، وصديقاتك المقربات، هؤلاء الأشخاص القريبين جدًا أخلاقك الحقيقية تظهر معهم، و(خيركُم خيركم لأهله).
- وقدوة في الحلم والعفو :
موقفه مع الأعرابي الذي جذبه من رداءه جذبة شديدة، ثم سأله أن يعطيه مالا، فالتفت إليه وضحك، وأمر له بعطاء.
- وهو قدوة في الحياء.
- وقدوة في الشفقة والرحمة.
- وفي تواضعه صلى الله عليه وسلم.
- وفي المحافظة وحسن العهد:
كان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر ذكر خديجة، ولربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة.
أخيرًا، لمسات عجيبة وأشياء مذهلة، وما ذكرته بضع صفحات من حياته, فما بالكم وأنتم إن شاء الله تحضرون بقية المجالس..
أسال الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما ذكرنا ويرزقنا شفاعة رسولنا صلى الله عليه وسلم وأن يردنا حوضه..
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
الأربعاء 4 / 1 / 1438 هـ