– كم لعثمان بن عفان -رضي الله عنه- من الأجور العظيمة من الفتوحات الإسلامية، صاحب القرآن الذي مات ولم تشغله الدنيا عنه وعن أن يعيش عابدًا تقيًا.
– فلتتولى ما شئت من المناصب، ولتطمح إلى ما شئت، ولكن لا يكن هو الغاية وتنسى أن إلى ربّك الرُجعى، هؤلاء الذين وصفهم الله جل وعلا في قوله تعالى : ﴿ وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾
– كيف يكون الإنسان يسعى في الدُنيا وتجدينه في غفلة عن الآخرة ؟ تجدين أن الآخرة ليس لها مكان في جدوله.. نسمع عن دورات خطط لحياتك، خطط لأهدافك، وغيرها من العناويين البرّاقة، لكن أين هدفك في الآخرة من هذا؟
– ضعي في أهدافك الآخرة أولًا : أريد أن أكمل دراساتي لكي أنفع المسلمين، وأريد أن أكون عالمة لكي أنفع بنات جنسي ، ولأزداد رفعةً في الآخرة، أريدُ أن أكون أمًا ليس حتى أشبع حاجة الأمومة، بل حتى أخرج نسمة تسبح الله حتى أزداد رفعة في الآخرة، أريد أن أتزوج ليس لأجل الغريزة، وإنما هو الإعفاف ومضاررة لأهل السفاح.
هيَ متطلبات حقيقية كلّنا نطمح إليها، ولكن من جعل الآخرة هي همّه يجعلُها مطيّة لكي يزداد في الآخرة ويرتفع عند الله ..
– العبودية لله ليست بالشعائر الظاهرة، ولكن العبودية الحق لله أن أجعل كل مقام أقوم به عبادة لله سبحانه وتعالى.
إذا زرت أريدها زيارة في الله ليس أن أتونس فقط كما يظنون، وإذا أردتُ أن أقوم بخدمة والدي أحتسبها برًا وصلةً وإحسانًا ليست مُقاضاة، بمعنى أن الأعمال التي أقوم بها من أجل أننا يجب أن نعمل كلنا في المنزل، إذا لم يعمل إخوتي لن أعمل!
الأم تريد أن تشعر أنّها ملكة ، بناتُها يتسابقن على خدمتها وعلى نفعها، وليس أن يشعرن أنها تظلمهم بالأعمال!
وأين حق التراحم والأرحام بين الإخوة في الأعمال؟ أين اللطف والحنان؟
الأخ والأخت مصدر قوي للدفء والحنان، ينبغي أن نشيد أننا نريد أن نتآزر لنصرتنا لكي نجتمع في الآخرة.
– لا أتعامل مع أخي إن كان لا يصلّي مثلاً بالتخلي، فحق الرحم يفرض عليك أن تجذبيه، وليس كما يفعل البعض من الاهتمام بالمستقبل للوظيفي ولا يهتم بالجانب الديني!
– أولوياتي في النفع ما يقرب إلى الله وما يُسعدنا في الآخرة، لو كانت هذه سياستنا ما وجَدنا مشاكل في الطب والهندسة والعلوم؛ لأنها تعمر الأرض ، حتى هذه العمارة تجعلني أعمر الآخرة، لا تكن الغاية ماديّة وأغفل عن الآخرة.
– بعض الآباء لا يريدون لأبنائهم التخصصات الشرعية لعدم وجود مستقبل وظيفي.. ليس المبتغى العمارة المادية، بل عمارة الآخرة وعمارة القلوب وميزان الحسنات.
– نحتاجُ في هذا الجيل أن نجعل لنا صفًا من العُلماء يتوارثون العلم وينشرون إرث محمد – صلى الله عليه وسلم -، لا أن يكون همّي وطموحي عمارةٌ مادية.
هيَ عمارة ماديَّة والأخروية مُقدّمة، فإن الرزق لم يوكَل لنا، فكم من يائسٍ للرزق سيق لهُ رزقه في قعرِ بيته، وكم من ساعٍ إلى الرزق لم يأته إلا ما قُدّر لَه، فالأمرُ عند الرزاق ذي القوة المتين، وأعظمُ الرزق وأعذبه أن تُرزَق الإيمان ، وأن تذوق حلاوته .
– يقول علي بن أبي طالب :(( كونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا )) المؤمن الصادق الواعي الذي يُدرك أن هذه الدنيا ظلٌ زائل وأن هذه الدُنيا ساعة كما قال الله عزّ وجل : ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾
– كيف أعمر الآخرة ؟
استعرضي يومك منذ أن تستيقظي، انظري هل تقومين بذكر مولاك، ثم انظري في حالك ما نصيبك من الصلاة ؟ ما نصيبك من الذكر ؟ ما نصيبك من القرآن ؟ ثم انظري هل أنتِ ممن يصلون ركعتي الضُحى ؟ فهيَ صلاةُ الأوَّابين، ثم انظري في حالك إذا دَخلتي في خِضَم الحياة هل أنتِ في غفلة عن الله ؟ هل أنتِ تكذبين ، تخونين ، تخادعين الأستاذ والأستاذة من باب أني أريد أن أبرر لنفسي تأخرت في الحلَقة أو ما أشبَه؟ هل أنا ممن يُعرض عن الجاهلين إذا أُسيء إليه ؟ هل أنا ممن قلبي ينشغل ماذا سأفعل؟ هل أنا إذا لبستُ أراعي أني أحجِبُ عن النّاس ما يُغضب الله؟ هل فيه ما يجعلُ النّاس يلتفتون إليكِ ؟ أنظر إلى أصحابي ، من أُصاحب ؟ أنظر إلى قلبي إلى من أميل ؟ من الذي أحب ؟ من الذي أتمنَّى خُلَّتَه و من الذي أكرهُ قربه؟ هذه المقاييس التي تكشفُ لكِ مقام الآخرة في قلبك .
ثم مشاريعك ، ماهيَ مشاريعك ؟
ليست مشاريع التخرُّج هنا هيَ نهاية المشاريع ! بل هذا أول مشروع يضع قدمك على الحياة الحقيقة ومصارعتها بشتى أشكالها؛ لأنكِ تجاوزتِ سن السفاهة، وسنَّ الطيش، وسنَّ الصِغَر، وأصبحتِ في مقياس أهل الدُنيا والآخرة من الناضجين .
ماهيَ مشاريعك في الآخرة ؟ كم صلاتك من السُنَن ! هل حافظتي عليها كاملة ؛ لتبنين قصرًا في الجنّة ؟ هل حافظتِ على ذكرك ؟ هل حافظتِ على مجالس الذكر ؟ هل لكِ قراءات نافعة تقربك من الله؟
– قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ كل ما أردتِ أن تزدادي خشية عليكِ أن تزدادي ذكرًا لله ، وأن تحذري ممن يقطَع عليكِ ذكره سبحانه ، أولئك الذين إذا جلستِ معهم لا تشعرين إلا بأنَّهم خُلقوا لهذه الدُنيا ، وهؤلاء هم قطاع الطريق الذي حذَّرنا الله منهم .
نسألُ الله أن يشغلنا وإيّاكم بطاعته وأن يملأ قلوبنا بما يُحب ، وأن يزيدنا علمًا وعافيةً في الدين والبدن ..
اللهم صلِّ وسلم على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
يوم الأربعاء 6/7/1437