الباب الثاني والثلاثون
باب قوله تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين )
الخوف من العبادات فمن صرفها لغير الله فقد أشرك شركا أكبر فلا يكون العبد عابدا لله بالخوف فقط وإنما بالمحبة والخوف معا
الخوف : هو غم يلحق النفس لتوقع مكروه .
أنواعه :
١- خوف العبادة :
( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم ) أمر الله تعالى بالخوف منه وحده وأمر الله بالشيء يدل علی أنه عباده ثم صرح بالنهي عن الاشراك في هذه العبادة
وهناك مؤكد اخر وهو قوله( وخافونِ إن كنتم مؤمنين ) علق عز وجل الإيمان بالخوف منه وحده فدل أيضا على أن الخوف عبادة يُتقرب بها إلى الله عز وجل.
الضابط لخوف العبادة : أن يكون فيه محبة وذل وخضوع لله عز وجل ويتقرب به العبد إلى الله .
٢- خوف الشرك : فيه محبة وذل وخضوع ولكن لغير الله
حكمه : شرك أكبر لايغفره الله ( إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) .
٣- خوف محرم : وهو لايصل إلى درجة الشرك ولكنه معصية
الضابط له : ليس فيه ذل وخضوع ولكنه يخاف غير الله فيؤدي به إلى ترك واجب أو فعل محرم
مثال : كأن ينتشر منكرا ما ولأن الكل يفعله فلا يُنكر خوفا من اللوم والمجافاة
( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ) يخوفكم أولياءة وأحبابه الذين ينصرونه ولذا حصر عز وجل الخوف منه وحده في الإيمان به ( إن كنتم مؤمنين ) فيجب على الإنسان أن يقوي إيمانه بالله عز وجل .
٤- الخوف الطبيعي : يكون له سبب حسي ظاهر كمن يخاف من نار تحرقه او سبع او من يخاف من عدو كما جاء في قوله تعالى : ( فخرج منها خائفا يترقب ) فإن لم يكن له سبب كان مذموما وهو لا ينقص الإيمان ولكن يخرج صاحبه من الشجاعة إلى الجُبن
وقوله : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )
عمارة المساجد تكون بالصلاة والذكر وخشية الله وأما المبالغة الشديدة في زخرفتها فهي ليست من عمارتها بل منهي عنها وهي من أشراط الساعة ( ولم يخشَ إلا الله ) دلت الآية على الإيمان الكامل والخشية هي : الخوف مع العِلم
كما في قوله تعالى : ( إنما يخشى الله مِن عباده العلماء ) فالعِلم يورث الخشية
-وقوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذِيَ في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله )
هذه الآية مثل قوله تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فِتنةٌ انقلب على وجهه خِسر الدنيا والآخرة… ) فالميزان عند هذا الصنف من الناس ليس الإيمان وإنما ما يلقاه من خير وشر وهذا حاصل في الناس كثير فالبعض لا يعرف قوة إيمانه من ضعفه الا في الشدائد ,فضعيف الإيمان يتنازل عن إيمانه وعمله الصالح في حال الشدة علی الإسلام والمسلمين وحال قوة الباطل وسلاطة ألسنتهم , أما من كان إيمانه كاملا لايهمه الذم والمدح فينبغي فلا يترك العمل الصالح لمدح أو ذم فالميزان عنده هو رضى الله ورسوله .
عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا :
( إنّ من ضعف اليقين : أن ترضي الناس بسخط الله ،وأن تحمدهم على رزق الله ،وأن تذمهم على مالم يؤتِك الله ،إنّ رزق الله لايجُره حِرص حريص ،ولا يرُده كراهيَة كاره )
الشاهد من الحديث : ( أن ترضي الناس بسخط الله ) وهذا من ضعف الإيمان فالأصل هو أن ترضي الله ولو سخِط الناس وهذا مما يدل على قوة الإيمان واليقين
وعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من التمس رضى الله بسخط الناس ،رضِيَ الله عنه وأرضى عنه الناس ،ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخِط الله عليه وأسخط عليه الناس ) رواه ابنُ حِبّان في صحيحه
– فمن التمس رضى الله بسخط الناس
فالعاقبة: رضيَ الله عنه وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس بسخِط الله فإنه يُعاقَب ويُجَازى بنقيض ما أراده فإن قال قائل : أيهما يُغلّب العبد الخوف أو المحبة أو الرجاء ؟
نقول بأن المؤمن ينبغي أن يسير الی الله كالطائر فالمحبة تحدوه كالرأس والخوف والرجاء كالجناحين فهو يسير الى الله بين الخوف والرجاء ولكن قد يحتاج إلى أن يغلّب أحدهما على الآخر فإن كان في حال معصية غلّب الخوف حتى يرتدع ويرجع ،وإن كان في حال مرض لايرجى برؤه أو طاعة فإنه يغلّب جانب الرجاء حتى يُحسن العمل .
٢٦ / ٥ / ١٤٣٧هـ