الباب الواحد والثلاثون
باب قوله تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ﴾
أنواع المحبة :
١ – من المحبة ما هو أصل التأله والإيمان ومن خرج عنها فقد خرج عن الإيمان و من شروطها محبة كلمة ( لا إله إلا الله ) وما تدل عليه ومحبة مجالس الخير والأماكن التي يذكر فيها الله ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّه )
ومن الناس من يُعرضوا واذا ذكر غير الله استبشروا ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) فهذا هو الأصل
الدليل : قوله تعالى : ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم )
وجه الدلالة : أن العمل لا يُحبط إلا مع شيء دخل فيه الشرك أو مايساويه .
٢- محبة واجبة وهي مكملات الإيمان كالمحبة في الله ومحبة ما يحبه الله
٣- محبة مع الله وهي المحبة الشركية ( فيجعل ما يحبه مساوياً لمحبة الله )
٤- المحبة الطبيعية اذا بقت على حالها كمحبة الأب لابنه والطالب لمعلمه فإن خالطها شيء من الخضوع والذل أصبحت “شركية ” وإن ارتبطت بمحبة الله ارتفعت من المباح إلى “العبادة ” وإن قُدمت على محبة الله ورسوله أصبحت “محرمة ”
الواجب على المؤمن إيضاح الحق ونصرته وان كان على معلمه كما فعل ابن القيم رحمه الله حين قال تعليقا على كتابه مدارج السالكين والذي هو تهذيب لكتاب منازل السائرين للهروي الهروي حبيب إلينا ولكن الحق أحب .
في قوله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحُب الله ) دليل على أن المشركين يحبون الله ولكن هذه المحبة لا تنفعهم لأنها محبة شركية فتحبط أعمالهم .
(والذين آمنوا أشد حُبا لله ) فسرها العلماء على قسمين :
أشد من محبة المشركين لأندادهم . أشد من محبة هؤلاء المشركين لله لأن محبة المؤمنين خالصة لله وحده
( وتقطعت بهم الأسباب ) أي أسباب المودة كما فسرها ابن عباس رضي الله عنه
( قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره )
من أنواع المحبة الطبيعة محبة الآباء والأبناء والأزواج والأموال والتجارة و.. والأصل في هذه المحبة المباح
( أحبّ إليكم من الله ورسوله ) المقصود بها المحبة المحرمة لما قدم هواه على محبة الله ورسوله تحولت المحبة من طبيعية إلى محرمة
عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) أخرجاه .
( لا يؤمن أحدكم ) : أي إيماناً كاملاً وليس المقصود به نفي لأصل الإيمان وانما نفياً لكماله فدل الحديث على المحبة الواجبة فلا يفنى الإيمان عن أمر مستحب فدل هذا على أن المتروك واجب .
ولهما عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث منكن وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ،وأن يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ،كما يكره أن يقذف في النار ) وفي رواية ( لايجد أحد حلاوة الإيمان حتى… ) إلى آخره.
الشاهد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : ( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) وهي المحبة الواجبة بأن يقدم محبة الله ورسوله على المحبة الطبيعية
حلاوة الإيمان : لذته وهي حلاوة حقيقية يجدها المؤمن في قلبه وروحه بالطمأنية والانشراح فكما أن المؤمن يذوق طعم الإيمان فكذلك للقلب ذوق اذا امتثل أمر الله ورسوله
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من أحبّ في الله ،وأبغض في الله ،ووالى في الله وعادى في الله ،فإنما تُنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وان كثُرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا ،وذلك لايجدي على أهله شيئا رواه ابن جرير .
يصف ابن عباس الناس في عصره فكيف بتقدم الزمان
الفرق بين المحبة والموالاة المحبة : شيء في القلب الموالاة : تشمل في معانيها أشياء أخرى وتحمل صاحبها إلى أمور وهي أعم
( إنّ وليّيَ الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين )
س/ متى يتولى الله العبد ؟ في الحديث القدسي ( وماتقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) فاذا أحب الله العبد تولاه بولايته فإنما تُنال ولاية الله بذلك
آثار ولاية الله عز وجل للعبد في الحديث ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولإن سألني لأعطينه ولإن استعاذني لأعيذنه )
فالأصل أن القلب يحب ويبغض لله فلا ينفع قول لبيك اللهم لبيك والقلب فيه شيء من موالاة أعداء الله
من المحبة والبغض ماهو أصل للإيمان
ماهو أصل في المحبة : أن يحب الله والتوحيد ويحب دين الله و يبغض الشرك وأهله وقد جاء من الآيات ما يدل على أن الله لايحب الكافرين فدل ذلك على أن من لم يأتي به لم يأتي بالتوحيد لأنه أصل ( لا إله إلا الله )
( لا تجدوا قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ..) فهذه البراءة التي يكمل بها الإيمان
فإن قال قائل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب عمه أبو طالب ؟
نقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه محبة طبيعية ولم يحبه محبة تُنقص من الإيمان أو تنافيه
وهذا هو البراءة من الشرك وأهله كما قال إبراهيم عليه السلام ( إنا بُرآءُ منكم ومما تعبدون ) فمن يبغض الشرك ولايبغض أهله فمحبته غير صحيحة
وقال ابن عباس في قوله تعالى : ( وتقطعت بهم الأسباب )
أي : المودة التي كانوا يفنون أعمارهم لأجل أندادهم ومعبوداتهم من شجر وحجر ،فيوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضاً .
الاثنين 6/19