الحمدُلله والصلاةُ والسلام على نبيّنا مُحمّد وعلى آله وصاحبه أجمعين
بدايةً أذكر نفسي و إياكم بفضل الله أن جمعنا في هذا المجلس، فكم من محرومٍ، وكم ممن لا يعلم عن هذاالدرس، فنسأل الله كما جمعنا في هذا المجلِس أن يُبارك لنا فيه و أن لا يُقيمنا منه إلا بذنبٍ مغفور
أول سورة نزلت في القرآن هيَ سورة اقرأ فيها آية لا تتجاوز خمسة كلمات، لكن في معانيها عظيمة، تكفي لامتثال جميع الطاعات، والردع عن جميع المعاصي، و تعتبر أقوى وسيلة للمراقبة، فهي تربي الإنسان على مُراقبة الله في كل حركاته ألا وهي قول الله تعالى :{ ألم يعلم بأن الله يرَى } الله يُخاطب أنفُسَنا فنحنُ مخاطبون بهذه الآية. فهذا يُعتبَر وازع قوي ليربي الإنسان نفسهُ عليه على مراقبة الله، وهذه الآية لم تأتِ بصورة تقرير بل وهناكَ لفتة استنبطها العلماء وهي أن هذا أمرٌ فطري فلا أحد يشُك أن الله يطلّع عليه لهذا جاءت بهذه نحنُ نعيش في زمن كثرت فيه الإرهاب و التفجير فكُثَرت فيه المراقبة لكن مهما كان القانون و السلطان لكن الله مُطلعٌ على خلجاتِ قلبك، ربّما عشرات الأشخاص يرون شخص واحد لكنّ كل واحد يفك وسكناته فإذا كُنتِ مكلّفة بأمرٍ معين و أقدمتِ على أمرٍ سيّء فيتبادر إلى أذهاننا جملة: “محد شاف”! بصورة استفهام إنكاري.
الصيغة الرادعة القويّة قويّ، و المراقبة قويّة و الحارسُ قويٌ وحاذق لكنّه ممكن أن يغفل ، أو ينام..
بطريقة ، وكل واحد يفكّر في شيء فمن يعلم مايجولُ في خواطرهم ؟ الله عزّ وجل .
لذلك مما يُحمَد في النظام السياسي في الإسلام والنظام الإجتماعي في الإسلام أننا لو طبّقنا هذه الآية لا
لكنّ المراقبة حالة تزيد وتنقص، كما الإيمان يزيدُ وينقُص و كلّما زادت مُراقبة الله كل ما ارتقيتِ إلى
منزلة هيَ أعلى مراتب الدين وهي الإحسان ( أن تعبُدَ الله كأنّكَ تراه ) فكُلّما ارتقى الإنسان في مراقبة الله
فنحنُ إن قدِمنا للصلاة تطرأ في أذهاننا الأفكار و الاختبارات و غيرها و إذا فرَغنا نُركّز على أمر واحد
نحتاج إلى وسائل مراقبة كلّما وصَلَ إلى الإحسان .
و كأنَّني كُنت في فترة أجولُ فيها في خيالي !
.ألم يعلَم بأن الله يرى } الآية قوية جدًا لكن نسأل الله تعالى أن يوقظ قلوبنا من غفلتها} .
و أكثرُ العبادات التي شرعها الله التي تظهر فيها المُراقبة جليَّة هيَ العبادة التي نفعلها في رمَضان ، وهي يعني تكونين فاتحة الثلاجة ، وما فيه أحد في المطبخ فأستطيع أن آخذ أي شيء لأسد بهِ الجوع، فليتنا في الصيام .
جميع أمور حياتنا في المراقبة كحالنا مع الصيام
الآن في تحديث الواتس أب الذي يُوضّح إذا قُرئت الرسالة أم لا
فبعضُنا يقول هيَ علِمت أنني قرأت الرسالة فلابُد أن أستجيب و أرد عليها ..
فعلى العبد أن يجعل هذه الآية نصبَ عينيه { ألم يعلم بأنَّ الله يرى } ذكِّر نفسك بهذه الآية فكٍل إنسان, لكن الله يرى حتّى مافي الباطن يرى خلجاتِ نفسك مخاطب بهذه الآية ومسؤولٌ عن نفسه وعمّا في قلبه إذا الإنسان راقبَ الله سُبحانه وتعالى فما جزاؤه ؟!
(( لا يُحسن عبدٌ فيما بينه وبين الله عزّ وجل إلا أحسنَ الله فيما بينه وبين العباد ولا يُعوّر فيما بينه وبين معلومٌ لدينا أنّ الجزاء من جنسِ العمل فجزاؤه أن يُظهر فضله في العلانية ))
هناك عبارة جميلة ذكرها أحد العلماء :
الله إلا عوَّر الله بينه وبين العباد
هذا مثلُ حديث : (( من يُرضِ الله بسخط النّاس رضيَ الله عنه و أرضى عنهُ النّاس ))
ثمّ قال : (إنّكَ إذا صانعتَ الله مالت الوجوه كلّمها إليكَ و أذا أفسدت ما بينكَ وبينَه شنأتك الوجوه كلها)
نأتِي إلى المجلس الثانية ، وهيَ سورة التكاثُر
في قوله تعالى :{ ألهاكُم التكاثُر (١) }
ما معنى ألهاكم ؟
أي أشغلكم لكن من دقَة تعبير القُرآن لم يقُل أشغلك لأني ربّما أكون مشغولة بأمر بجوارحي لكن قلبي ليسَ مع هذه الشغلة فالله لم يقل أشغلكم و إنّما قال ألهاكم
أي : ابتعدتم بكامل مافيكم بقلبكم وعقلكم وجوارحكم بهذا التكاثر ، والمقصود بالتكاثر ليسَ محصوراً كما يحصره البعض أن يتكاثر الإنسان بالإنجاب .. لكن المقصودُ أن أُكاثرُكِ وتُكاثريني
أطلبُ أن أكون أكثر منكِ و تطلبين أن تكوني أكثر منكِ لكن في ماذا ؟
لكن هل المقصود أن نعيش فُقراء و نأخذ من كُل شيء القليل ؟ لا
فمحل الذمّ أن يكونَ ما تجمعيها شاغلًا عن الله سُبحانه وتعالى وعن ذكرِه ..
لم يذكُر الله شيئًا محددًا بل جعلها مُطلَقة ,فجميع ما يُلهي عن طاعةِ الله مذموم !
إذًا مالمراد ؟ ألّا يُشغلنا عن طاعةِ الله طبعًا الآن نحنُ نعيشُ في زمن أصبح التكاثُرُ حديث المجتمع فأصبحت حياةُ الناس واضحة عندنا نعرفُ فما أحوجنا أن نعلَم أن الله ما ساقَ هذه الآيات للمدح بل ساقَها للذمّ فلا يُمدَح الإنسان بكثرةِ ماعندَه
تفاصيلها و أصبحت الأمور الماديَّة هيَ زمام حياتنا و إنّما يُمدح بما وقَرَ في قلبه فنسألُ الله أن يوقِرَ الإيمان في قلوبنا .
بعد ذلك قال الله تعالى : { حتى زرتم المقابر }
فهذا حالُنا نَجمع في هذه الدُنيا و أكاثرك وتكاثريني إلى أن ! تأتي مرحلة زيارة القبر وهي مرحلة الموت فالحقيقة هذه الآية مُوجعة جدًا فعندما يتأمل الإنسان ويقول إلى متى وأنا ألهثُ ألهثُ ألهثُ وراء الدُنيا فالموت لن يستأذن الموتُ يأتي بغتة
فنسألُ الله تعالى أن يُحسِن خاتمتنا
فالله سُبحانه قال : { حتّى زُرتم المقابر } ومن بليغ هذه الآية أنهُ قال زرتم ولم يقُل ذهبتم إلى القبر لمَ ؟
لأن القبرَ ليس دار قرار ، وإنّما دارُ القرار هيَ الجنَّة أو النّار، فلذلك عبَّرَ الله عنها بالزيارة ، والزيارة
مدة قصيرة وتنتهي وقبل القبر الدُنيا أيضًا زيارة فكلّها محطّات
و الآخرة هي دارُ القرار .
( كلا ) : أسلوبُ زجر ليسَ الأمر كما تظنون ليست الدنيا محل جمع الأموال والتكثر في الدُنيا
بعدها قال الله تعالى { كلا سوف تعلمون }
فهذه الآية أسلوبُ تهديد قويّ من الله تعالى
ثم كرر الله تعالى فقال : { ثمَّ كلا سوف تعلمون }
بعد ذلك قال تعالى :{ كلا لو تعلمون علمَ اليقين لتروُنَّ الجحيم }
“لترون الجحيم” ليست جواب لـ “كلا سوف تعلمون” وإنّما هي جُملة استئنافيّة يعني كلا لو تعلمون علمَ
اليقين لما ظننتم هذا الظَن أن الدنيا دار تكاثر ، ولما عرفتُم هذه الأمور التي حسبتم أنّها ستُخلّدكم ففي قوله تعالى :{ لترون الجحيم } كأنَّهُ أسلوبُ قسَم .. متى ؟ في أرضِ المحشَر فتجر النّار نسألُ الله السلامة
تخيّلي الملائكة العِظام الشِداد ، سبعون ألف عندَ كُل زِمام فكيفَ بحجم النار التي تُجَر .. شيء لا يستطيع الدُنيا و العافية بسبعون ألفَ زمام .. على كل زمام سبعون ألف ملك.
الإنسان أن يتصوره .
ثم قال :{ ثمَّ لتُسألُنَّ يومئذٍ عن النعيم } هذه الآية هيَ التي نحتاج أن نتوقف فيها
سأُورد حديثاً عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – و تأمّلي في حالنا و أسألُ الله أن يلطُف بنا
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا، والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوما، فقاما معه، فأتى رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته، فلما رأتهم المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا ، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء ؛ إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافاً مني. فانطلق فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمر ورُطب فقال: كلوا، وأخذ المُدية فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إياك والحلوبَ ، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا ،فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكرو عمر -رضي الله عنهما-: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم ) رواهُ مُسلم
يعني لو نحنُ في هذا الموقف لـ عظَّمنا ما أصابنا من الجُوع فنحنُ الآن لسنا مُنعَّمين فقط ! بل ومُترفين
فنحنُ لا نتكلم عن جوع أو عن لبس كما تُعاني البلدان المجاورة
فلا نلبس ما لُبسَ سابقًا عند هذه الجماعة
فإن كان هذا الأكل الذي أكلَه النبي صلى الله عيه وسلم وأبو بكر وعمر من شدّة الجوع و قال الرسول : (فنسألُ الله تعالى أن نؤدي هذه النعمة حقّها و إن كان الإنسان مُطالبٌ بشكر النعمة فـ هو في هذا الزَمان )احمدِي الله العظيم
واللهِ لتُسألن عن هذا النعيم )
أشدّ لأن الإنسان يُتخطَّفون من حولنا تكفينا نعمةُ الأمن و نعمُة الإسلام بأن جعلنا من أبٍ و أمٍ مُسلمَين جعل لنا أهل و أقارب و أحباب فهذا فضلٌ من الله فنسألُ الله كما جمعنا في هذا المجلِس أن يجمعنا في الجنّةِ عندَ مليكٍ مُقتدر و أن يجعلنا من الشاكرين لنعمائه
وصلى الله على نبيّنا مُحمد وعلى آله وصحبه وسلم
الاربعاء 6/21