الحمدلله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد، وعلى آله وصحبه أفضل
الصلاة وأتم التسليم
نبدأ اليوم المجلس العشرون:
بصائر تدبرية من سورة القدر
قال تعالى في سورة القدر: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
هذه السورة العظيمة سميت بسورة القدر؛ لتكرار ذكرها فيها، وبيان عظمة ليلة القدر وفضلها ومكانتها عند الله.
قال أبو بكر الوراق: سميت ليلة القدر؛ لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، على لسان ملك ذي قدر،
على أمة لها قدر، ولعل الله تعالى ذكر لفظ القدر في هذه السورة ثلاث مرات لهذا السبب.
جاءت في المصحف بعد سورة العلق ، بدأ فيها بقوله: {إَنَّا أَنزَلْنَاهُ} بعد سورة العلق التي ذُكر
فيها أول نزول للقرآن. هذا القرآن نزل أولاً جملة واحدة للوح المحفوظ ، قم أنزل جملة واحدة
إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً على الرسول حسب الوقائع والأحداث.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} علو هذه الليلة وعظمتها وفضلها خارج عن دراية الخلق، ولا يعلمه
إلا علام الغيوب.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قدّر العلماء “ألف شهر” باثنين وثمانين سنة، تخيلي في تفضيل
أعمال هذه الليلة الواحدة بمقدار ألف شهر! فهي فرصة لإطالة العمر.
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} قال تنزّل بالتشديد؛ للدلالة على كثرة نزول الملائكة فيها وكثرة نزول الرحمات
التي تتنزل.
{وَالرُّوحُ فِيهَا} المقصود به جبريل #، وأيضاً يدل هذا على فضلها وعظمتها.
{مِّن كُلِّ أَمْرٍ} يجتمع كل خير الدنيا والآخرة.
{سَلَامٌ} سلام في السماء وسلام في الأرض، ووصفها بالسلا؛ تشبيهاً لها بالجنة ونعيمها، وسلام؛
لأن القرآن نزل فيها فمن اتبع هديه دلّه إلى طريق السلام.
وورد عن ابن عباس أنها هي ليلة السابع والعشرون؛ واستدل بأن السورة ثلاثون كلمة وكلمة
{ هِيَ } هي الكلمة السابعة والعشرون، لكن العلماء اختلفوا فمنهم من قال غير ذلك.
{ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ } “حتى” انتهاء الغاية، أي ينتهي وقتها عند طلوع الفجر.
الله سبحانه وتعالى يقول أن هذه الليلة هي خير من ألف شهر، ما الذي يضرنا ويمنعنا لو
اجتهدنا في العشر الأواخر من رمضان حتى ندرك هذه الليلة؟ لابد أن نجاهد من أول ليلة من
رمضان ندعو الله دائماً أن يبلغنا ليلة القدر.
أسأل الله أن يبلغنا رمضان ويبلغنا ليلة القدر.
المجلس الحادي والعشرون
مناجاة نبي
يقول الله تعالى في سورة إبراهيم: { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَشْكُرُونَ } هذه مناجاة إبراهيم ، ومناجاة أب رُزق بولد على كبر سن، توجه إلى ربه وناجاه
بأن يحفظ ذريته من بعده، فما بقي من عمره أقل مما ذهب، فليس له إلا الله سبحانه وتعالى خير الحافظين.
قال: { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } الذي لا ينبت فيه الزرع، لماذا؟
{ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ } إذا كان همه الأول أن يقيموا الصلاة، كان هدفه أن يختار المكان الصالح
لذريته، يجب أن يكون هذا هدف كل أب وأم، ليس الهدف أن نبحث لهم على الرافهية بقدر
أهمية أن نبحث لهم عن رفقة صالحة.
إذاً كان شأن الأنبياء بعد اهتمامهم بالتوحيد وخوفهم من الشرك هو إقامة الصلاة.
ثم قال إبراهيم : { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } قال: “أفئدة” ولم يقل: “بعض الناس”؛
لأن الفؤاد إذا هوى مكاناً تعلق به حتى لو لم يكن به أحد، مكة ليس فيها ما يجذب الناس من
لطافة الجو والماء والخضرة وغيره، لكنها تجذب الناس من كل مكان من العالم، وهذه دعوة
إبراهيم .
وقال إبراهيم : “أفئدة من الناس” ولم يقل “أفئدة الناس” وربما لو قالها لجاء كل البشر وما
استوعبهم المكان! تصوروا إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.
ثم قال: { وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } إشارة منه إلى همه بأن يشكر الله سبحانه
وتعالى.
المجلس الثاني والعشرون
وقفة مع قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }
الدعاء هو من أعظم العبادات، فجاءات هذه الآية بين آيات رمضان، فيه إشارة على أن الدعاء
أفضل ما يكون في رمضان، رمضان على الأبواب فاجتهدي بالدعاء.
لما امتدح الله الأنبياء وامتدح أعمالهم قال: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا
وَرَهَبًا } إذا كان هذا هو ديدنهم.
كل الأسئلة التي اشمل عليها القرآن كان في الجواب (قل) أو (فقل) إلا هذه الآية جاء الرد
مباشرة دون (قل)، دلالة لشدة قرب الله من عباده في مقام الدعاء.
ثم قال تعالى: { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } وعد الله سبحانه بالإجابة، لما قال (إذا دعان) فيها
دلالة على أنه يجب أن أبذل أدعو حتى أنال الإجابة من الله.
وأحياناً قد تتأخر إجابة الدعوة حتى تلحّي أكثر وتدعي الله أكثر، وتصبحي قريبة من الله بكثرة
الدعاء، وقد تكون استجابة الدعوة بدفع السوء عنه.
وفي هذه الآية سر من أسرار هذا الدين، وهو التوحيد، فهذا الله الملك القهار الجبار لا تحتاج إلى
مواعيد عند دعائه، مجرد أن ترفعي يديكِ وتستحضري قلبك وتسألي ما شئتِ، قال بكر بن عبد
الله المزني: (من مثلك يابن آدم! خُلّي بينك وبين المحراب، تدخل منه إذا شئت على ربك، وليس
بينك وبينه حجاب ولا ترجمان) فقط قولي يارب.
عمر بن الخطاب كان يقول: (إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت
الدعاء فإن الإجابة معه) ستأتي الإجابة مع الدعاء بإذن الله.
الله قال: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } يعني إجابة الله للمضطر يجب أن يجون معها دعاء،
المريض مضطر، المهموم مضطر، فيجب أن يدعو حتى تأتي الإجابة.
دائماً مهما بغلتي من الهم والغم إذهبي إلى الله سبحانه وتعالى وليس إلى البشر، ادعي وابكي
بحُرقة بين يدي الله سبحانه وتعالى، ليس لكِ حاجة عند البشر، بل حاجتك عند الله سبحانه.
قصة مرأة لم تشتكي إلا إلى الله سبحانه وتعالى، وكيف أن الله فرّج همها بتسجيل ابنها بالروضة
وهي كانت محتاجة للمال ولم تطلب من أحد إلا من الله فرزقها الله من حيث لا تحتسب.
الله سبحانه وتعالى هو الجبار الذي يجبر كسر القلوب، ادعي ربك الجبار، إذا عودتي نفسك لا
تسألين إلا الله لن تحتاجي لأي أحد.
أسأل الله جبار السماوات والأرض أن يجبر قلوبنا، وأسأل الله أن يلهمنا الدعاء والإجابة.
أوصيكم بالدعاء في رمضان، وتذكري أن أفضل الدعاء يكون في رمضان.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
الاربعاء 6/14