في أثناء الحديث عن غزوة أحد يذكرهم الله سبحانه وتعالى بهذه الآية ﴿ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ﴾ انظروا لماذا؟ لأن يقول لك ﴿ وما النصر إلا من عند الله ﴾، مهما ترين من أعداء الدين اجتمعوا وألفوا القلوب واعتدوا بالعتاد وفعلوا وخططوا فالنصر من عند الله ينزله على من يشاء.
لم يكن قصد الصحابة ببدر الحرب بل كانوا يريدون العير، لكن الله سبحانه اختار لهم ﴿ وإذ يعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ﴾ كانوا يتمنون السلامة على الحرب، ويريدون الظفر بالعير لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن تكون الحرب، فكانت خيرا لهم، وكان فيها انتصار عظيم
لا أحد يريد الحرب لكن إن أتت لابد أن تكون فينا ثقة بالله سبحانه وتعالى، تفاؤل بالله، لا نخاف من أعداء الله، لابد أن نكون صفًا واحدا، أن نكون جميعا على قلب واحد، ونكون مثل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، كانوا يتضرعون إلى الله، حتى أن أبو بكر أشفق على الرسول صلى الله عليه وسلم من كثرة مناشدته لربه، فلقد كان الرسول يدعو الله ويسقط الرداء عن منكبه، فقال: كفاك مناشدة لربك فإنه سينجز لك ما وعدك.
التضرع ماهو؟ أن ترفع أكفك كلها لله تعالى ترفعها للأعلى وتمدهما مدا، والسؤال هو: أن ترفع يديك حذو منكبيك فهذه مسألة. والتضرع دليل على شدة المناشدة لله سبحانه وتعالى. وبتضرع الرسول صلى الله عليه وسلم أنزل الله لهم ملائكة تؤيدهم، والله سبحانه أنزل أعدادهم “أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين” أي: مسلحين.
فبالإيمان العظيم أنزل الله النصر و هذا ما يريده الله سبحانه منا، أن نكون نحن مؤمنين بالله، واثقين بالله، مبتعدين عن المعاصي والذنوب.
﴿ وإذ يريكموهم إذ التقيتهم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور ﴾ الكفار كانوا أكثر، والمسلمين أقل، حينما وفقوا قالوا: أتراهم كذا من العدد؟ ويقول الآخر: لا أراهم كذا. فالله سبحانه جعلهم يرون الكفار قليل “ويقللكم في أعينهم” فالكفار كذلك يرون المسلمين ويقولون: عددهم قليل. لكي يطمعوا ببعضهم، ويحدث ما يريده الله سبحانه من أن تحدث هذه المعركة.
يا أخوات الآن نحن نعيش في وضع في الشمال رعد الشمال، فيه استعداد، وفي الحد الجنوب قتال، هذه الأوضاع ماذا تستوجب منا؟ ونحن بفضل الله ننعم بأمن وأمان ونذهب للمدارس والكليات وندرس ونذهب للحفلات والأعراس، فهذه نعمة كبيرة من عند الله سبحانه وتعالى، قد لا يحس بالنعمة إلا من يكون له قريب مرابط في الشمال أو في الجنوب، مع أن لزومًا على الجميع أن يحس بهذه النعمة، إذا ماذا يتوجب علينا؟ يتوجب علينا التضرع لله يقول الله سبحانه وتعالى: “فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم”.
كيف يا أخوات نحن نساند جنودنا هناك؟ كيف ننصر جنودنا، وننصر بلدنا؟ إذا نحن ابتعدنا عن ذنوبنا، والله لو نبتعد في البيوت وفي المدارس وفي الجامعات وفي الشوارع وفي الأسواق نبتعد عن الذنوب والمعاصي، ونتوب لله توبة نصوحًا، والله إن الله سيدافع عنا، ويحفظنا من الأعداء الداخلين والخارجين، يحفظنا ويقوينا، لماذا؟ لأن الله سبحانه هو الذي يعلم مخططاتهم فهو الذي يبطلها كلها، ﴿ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ﴾ فإذا كنتِ أنتِ تنصرين الله سبحانه في نفسك على شهواتك، على ملذاتك التي تكون فيها معاصي لله سبحانه وتعالى، اعلمي أن الله سبحانه سينصرنا.
أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري ما صنع الدعاء
سهام الليل ما تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
أتعرفون متى يأتي العذاب؟
إذا ظل الصالحون صالحون لوحدهم، واختفى المصلحون، فقد قال سبحانه: “وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون” مصلحون أي: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فتدعين لزميلتك وأهلك بغطاء الوجه، والستر، فإن فعلنا ذلك هنا الله يأخر العذاب، أما إذا الصالح صار صالحًا لوحده وليس له شُغل بمن حوله فيرى المنكر ويتركه، هنا ماذا يحصل؟ هنا يأتي العذاب.
إحدى أمهات المؤمنين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم، إذا كثُر الخبَث” إذا كثُر الخبَث، وكثرت المعاصي يهلك حتى الصالحون معهم، ويبعثون على نياتهم، ويحاسبهم الله الصالحون والطالحون.
المجلس الثاني عشر
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ﴾
أيُّ رحمة يفتحها الله سبحانه وتعالى من رزق، أو غيره، والذين رأوا رحمة الله يرونها في كل شيء، يرونها في حياتهم، في دراستهم، في أولادهم، في مجتمعهم، في مشاعرهم، في تفكيرهم، رحمة الله سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى، إذا الله فتحها – حتى يعلقك الله به- لا أحد يقدر أن يمسكها.
يقول: ﴿ وما يمسك فلا مرسل له من بعده ﴾ ما يمسك من ماذا؟ ما يمسك من رحمة، أو ما يمسك من ضرر، حتى عندما تشاهدون مقاطع (في اليوتيوب) مثلًا حادث سيارة، أحدهم واقف وأكيد سيصيبونه، ثم لا يصيبه شيء، لماذا؟ لأن الله لم يرِد.
يرسل الله لنا هذه الأمور حتى يقوى إيماننا بالله، ولا نخشى إلا الله، ونثق بالله، وتتعلق قلوبنا بالله، لأن الرحمة منه هو، لا أحد يقدر أن يضرنا ولا يدفع ضرنا إلا الله سبحانه وتعالى.
ورزقك ليس ينقصه التأني ** ولا يزيد في الرزق العناء.
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ** ونور الله لا يهدى لعاصي
29/5/1437 هـ