المجلس الأول: (واستنارت حياتهم بالقرآن)
لما خلق الله آدم وأنزله من الجنة، أنزل معه شريعة، لكن من سنة الله أن الحال لا يبقى كما هو، فوقع الشرك، فأرسل الله الرسل حتى يصلحون ما فسد؛ لأن الله لا يعذب الناس حتى يقيم عليهم الحجة.
لما كان الفساد منتشر في مكة أرسل الله إليهم نبيه محمد، الذي عاش بينهم وعرفوا صدقه وأمانته.
لما دخل عليه جبريل في غار حراء وضمه وقال له: إقرأ. قال: ما أنا بقارئ! وأعاد حتى ضمه الثالثة وقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} في هذه اللحظات تغيّرت حياة البشرية، اللحظات التي نزلت بها أول آيات الوحي.
لذلك هؤلاء الذين كانوا جهّال أصبحوا خير الناس في هذه الأرض، وتغيّرت حياتهم بسبب هذا القرآن.
*هل هذه الخيرية انتهت أم أنها باقية إلى الآن؟
يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “مثل أمتي مثل المطرلا يُدرى أوله خير أم آخره” فهذه الخيرية موجود إلى وقتنا هذا؛ لأنها مرتبطة بوجود كتاب الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى كتب على نفسه أن يحفظ هذا الكتاب.
ويبعث الله بعد كل فترة مجددين يوعّون الناس بالتوحيد، لو لاحظتم تجدون أنهم جميعم حفظوا القرآن وهم صغار، القرآن أثر بهم لأنه لمس قلوبهم ولم يلمس ألسنتهم فقط.
– هناك العديد من تعامل الصحابة –رضي الله عنهم- مع القرآن الكريم، ومنها لما نزلت الآية: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} فجاءوا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وقالوا له أنها نزلت عليهم آية شاقة لا يطيقونها، فقال لهم النبي –صلى الله عليه وسلم-: “أتريدون أن تقولوا كما قال مَن قبلكم: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا” فقالوا: سمعنا وأطعنا.
هم لما قرأوا الآية عرفوا أنهم مخاطبين بها ولم يسمعوها فقط هكذا!
– هناك قصص معاصرة عديدة ممن استشعروا آيات الله وامتثلوها، ومنها: يقول شخص أن أمه كانت تحتاج إلى شيء يكلف شيء من المال، وعنده هو المال لغرض لنفسه، فحارب نفسه لما تذكر قول الله عز وجل: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} يقول: فقدمت حاجة أمي على حاجتي، فجائتني راحة عجيبة وانشراح بالصدر.
– الإنسان إذا عاش من القرآن عيشة حقيقية تغيرت نفسه.
#المجلس الثاني: (كيف نقرأ ونستمع لسورة النساء؟)
تُعرف سورة النساء أنها مليئة بالحقوق، ولو أردنا أن نعدد الحقوق التي فيها، قد جاء فيها: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}، و{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، و{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}، و{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ}، و{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، وختمت السورة بآية الكلالة: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}.
فهذه السورة لا يمر عليها الإنسان مرور عادي، عندما أقرأها يجب أن أقف عند كل آية وأرى هل أنا مخاطبة بهذه الآية أم لا؟
فاللذي يقف عند حدود الله عز وجل هو الذي يفوز في الآخرة، والذي يتعدى هذه الحدود هو الذي يخسر.
# المجلس الثالث: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ}
هذه الآية واسعة جداً.
لو رجعنا إلى قصة الأحزاب، حيث وصفها الله بقوله: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}.
الآن لما نرى أحوال الأمة الإسلامية، ونرى ما حول بلادنا من إعصار حقيقي، وأمور تتذبذب في يوم وليلة.
الشعور الذي يصيب النفس لهذه الأمور وضيق النفس، والتفكير ماذا سيحدث بعد ذلك! حتى يصل الحد ببعضهم أنه لا يستطيع أن ينام!
إذا رجعنا إلى قصة الأحزاب، اجتمعت أحزاب كثيرة جاءوا من الشمال والجنوب، فخرج الصحابة، ووصفهم الله {وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ}، ونقض اليهود العهد وخرجوا ضد محمد –صلى الله عليه وسلم-.
وقال الله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} وظن المنافقين أن هذا الدين سينتهي، وأن محمد هالك.
لكن المؤمين كان ظنهم بربهم خير، بعد شهر كامل بعد هذا الحصار نصرهم الله بجنوده، وأرسل عليهم ريح شديدة، وألقى الرعب في نفوسهم، فنصر الله هذا العدد القليل، ونحن كم عددنا الآن؟
لما تتوالى المصائب على أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- نعرف أن هذه سنة كونية، وأن الله يبتلي ويختبر {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} هل تحسب الإيمان سهل؟ وأنك ستدخل الجنة بسولة؟
ابتلى الله خير البشرية محمد –صلى الله عليه وسلم- وابتلى أصحابه، هل سيتركنا نحن؟ سيبتلينا الله عز وجل كما ابتلى من قبلنا، ولكن ما هو المطلوب مننا؟ إحسان الظن بالله.
ما نزلت مصائب على أمة مثل ما نزلت على أمة المسلمين، لكننا نوقن أن الله حامي هذا الدين وإن هلك أصحابه، يعني أن الإسلام باقي حتى وإن مت، وإن ظهر الفساد.
قد أولد وأرى أمتي ضعيفة، وأولد في فتنة، لكن أنا بذلت كل ما علي، وسأموت وأنا قد بذلت كل ما علي، وأوقن أن الله ناصر دينه بي أو بغيري، لذلك الإسلام لا يحتاجنا لكن نحن نحتاجه.
لما يسمع الإنسان عن العلماء يقتلون والضعاف يهجّرون، هنا يختبر الله هذه النفس، تحسن الظن بالله عز وجل أم لا؟
الأمة كالجسد، ليس من الطبيعي أن تكون يدي مكسورة وأرحركها بكل أريحية، وليس من الطبيعي أن أكون مجروحة وأنزف وأنا لا أفعل شيء لهذا الجرح! هذا هو مثل الأمة، الجسد الواحد، لذا يستحيل أن يكون إنسان مسلم ولا يتأثر بما يحصل للمسلمين، هذا يحسن الظن بالله عز وجل، كيف يحسن الظن بالله؟ بأسمائه وصفاته الحسنى.
إذا عرفت أن الله قد كتب كل شيء قبل أن يكون، إذا عرفت أن الله علم كل شيء قبل أن يكون، إذا عرفت أن الله حكيم، لطيف، خبير، إطمئن هذا القلب وأحسن الظن بالله.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
15/5/1437