الحديث الخامس و الثلاثون :
(وكونوا عباد الله إخوانا)
# متن الحديث :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم .
# موضوع الحديث :
موضوعه عن الأخلاق , والأخلاق من الدين , فكلما زاد الإيمان حسنت الاخلاق .
وكلمة الأخلاق والدين من الألفاظ التي إذا افترقت اجتمعت وإذا اجتمعت افترقت , فالدين إذا أُفرِد شمل العبادات والمعاملات والأخلاق , وإذا اقترن الدين مع الأخلاق صار الدين للعبادات , والأخلاق للآداب .
# مسائل الحديث :
المسألة الأولى : ما معنى الحسد وما مراتبه وحكمه ؟
الحسد : الصحيح فيه : أنه كراهية النعمة عند الغير .
مراتبه :
– كراهية النعمة عند الغير .
– تمني زوال النعمة عن الغير .
– السعي إلى إزالة النعمة عن المحسود (من أسوء الحسد) .
حكمه :
محرم .
سؤال/ إن تمنيت أن أفوق غيري – هل يُعَدُّ هذا من الحسد ؟
ليس من الحسد , في الحديث الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة فقال : (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ! ) فوقع الناس في شجر البوادي , قال عبد الله بن عمر : ووقع في نفسي أنها النخلة , فاستحييت , ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ فقال هي النخلة . فقال عبد الله : فذكرت ذلك لـ (عمر) فقال : – (وهذا هو الشاهد) – : لأن تكون قلت هي النخلة .. أحب إلي من حمر النعم .
# تنبيه :
لكن إن كره أن يفوقه غيره ، فهذا يُنافي كمال الإيمان ؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
المسألة الثانية : ما معنى النجش ؟
النجش : أن يزيد في سعر السلعة لا يريد شرائها , يريد إما نفع البائع أو الاضرار بالمشتري .
مثال : سيارة للبيع , عرض رجل شرائها بأربعين ألف , فجاء آخر وقال أشتريها بخمس وأربعين .. (الرجل الآخر جاء لا يريد الشراء , وإنما فقط ليرفع السعر على الرجل الأول فينتفع البائع) , وهنا يضطر الأول أن يعرِض ثمنًا أعلى حتى يتمكن من الشراء .
المسألة الثالثة : ما معنى البغض , وماذا يلزم من النهي عنه ؟
ولا تباغضوا : البغض الكره , وهو عكس المحبة , أي ابتعدوا عن أسباب الوقوع في البغضاء .و من أسباب بُعدِ البغضاء : أن يحذر المسلم من أذية أخيه – التهادي (تهادوا تحابوا) – ترك التفكير في مساوئ أخيك , و ذكر محاسنه .
ماذا يلزم من النهي عن البغضاء ؟
إظهار المحبة و السعي إليها .
سؤال / ألا يدخل هذا في النفاق ؟ إن أظهرت المحبة وفي قلبي خلاف ذلك ؟
حتى نضبط النفاق نقسمه إلى قسميه , أكبر وأصغر :
الأكبر : إظهار الإسلام وإبطان الكفر .
الأصغر : إظهار الخير وإبطان الشر (فهنا إظهار المحبة ليست من النفاق – إن لم أُضمِرَ شرًّا لأخي ) .
المسألة الرابعة : بيع الرجل على بيع أخيه , متى يحرم ؟ هل في زمن الخيار فقط أم حتى بعد الانتهاء من البيع ؟
مثاله / أن يعرض بائع سلعةً لمشتري (والمشتري لايزال يفكر في أخذها) فيأتي بائع آخر بنفس السلعة , ويقول للمشتري : أبيعك إياها بثمنٍ أقل , أو عندي مثلها بجودة أعلى .فهذا فيه إضرار بالبائع الأول , وصار البيع وسيلة لقطع أواصر الأخوة بين المسلمين , وهذا لا يجوز .لكن لو ترك المشتري سلعة الأول ولم يرغب فيها , هنا يجوز للثاني أن يعرض سلعته .
قال بعض العلماء : يحرم في زمن الخيار وحتى بعد إتمام الشراء , لأن المشتري قد يسعى إلى إحداث خلل في السلعة ؛ ليزعم أنها لا تصلح , ويردها على صاحبها , أوقد يحدث في نفسه الكره و الحقد على البائع .