هذه مقتطفات من حديث الأخت رحيمة ريمو ” مهاجرة من الصين” ، تحدثت في البداية عن موطنها الصين وبالأخص عن قومها الأيغور ، حيث ابتدأت بقولها : أن الصين مقسومة إلى نصفين خارج الصين وداخل الصين ، والصين الداخلية يوجد بها قوم يقال لهم الهوي وتوجد لديهم مدارس لتحفيظ القرآن ولكنهم يقرأون القرآن ولا يطبقونه ، أما نحن في الصين الخارجية وخاصة قومنا الأيغور نحب حفظ القرآن والتمسك بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى عندما أتيت الى السعودية وجدت عادات كثيرة تشابه مع عاداتنا في الصين مثل الزواج، فالرجال معزولون تماماً عن النساء أي لايوجد اختلاط وسبب ذلك هو انتشار الإسلام في الصين على يد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت نسبة المسلمين 99% وكان هناك حفظ للقرآن وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر بشدة ، تقول والدتي من شدة الحكومة في تطبيق أمور الدين أطلق عليها اسم تركستان الشرقية، ولكن بعدما دخل الكفر إلى بلادنا ودخل أقوام كفار من غير قومي الى مدينتنا أصبح نسبة الكفار 97% والمسلمون 2% عندما سيطرت الشيوعية على البلاد وأصبح من الصعب جداً حفظ القرآن والجهر بالطاعات والعبادات لدرجة أن أخي حفظ القرآن في القبو حتى أصبح الإسلام لدينا مجرد اسم.
سبب هجرتي..
كان التضييق علينا في أمور ديننا سبباً لهجرتي وأيضا بسبب طلب والدي فبعد تعرضه لموقف في الشركة وهو أن له زميل ياباني كان وثني الديانة وقد من الله عليه وأسلم وبعدها أتى الى والدي يسأله عن الله وعن نبي المسلمين وعن الدين الاسلامي، لكن المفاجأة أن أبي لم يستطع الإجابة على أي سؤال منها لأنه لم يكن يملك من الدين الاسلامي سوى اسمه فقط مما أحزنه جداً، فعاد إلى المنزل وهو متضايق من هذا الموقف مما دعاه الى الاجتماع بعائلتي حيث كنا سبعة أبناء ليرسل أحدنا للهجرة لطلب العلم الشرعي وتعلم الدين الاسلامي وكان من فضل الله علي أن كنت أنا من سيهاجر لأني كنت الوحيدة من بين أخوتي خريجة قسم أحياء أي ذات مؤهل جامعي ، فهاجرت الى تركيا عند خالتي وتخصصت في قسم (إلاهيات) لتعلم مايسمى في تلك الجامعة بالدين الشرقي لكني سرعان ما انسحبت من ذلك القسم فلم أجد به الراحة والقناعة التامة بين مايعطى وما أراه في ذلك التخصص من أستاذة مدخنة واختلاط بين طلاب وطالبات القسم.
المهر ..تذكرة سفر..
خلال السنة التي قضيتها في تركيا تعرفت على والدة زوجي وكانت معلمة قرآن لدينا في الصين لكنها هي الأخرى هاجرت من الصين فراراً بدينها، فأعجبت بي وأحبتني فخطبتني لابنها الذي كان طالباً بجامعة الأمام مستوى ثاني لغة عربية، فأتى إلى تركيا لعقد النكاح وكان هناك اتصالات مع أهلي لأخذ موافقة ولي الأمر ولكن قبل الإتصالات كان هناك نقاش حول المهر مدته ست ساعات لأن زوجي لايستطيع أن يقدم لي المهر والشيخ رفض أن يتم هذا النكاح لأنه لابد من توافر المهر، وكان في نفس يوم عقد نكاحي عقد نكاح ابنة جارتنا التركية التي هي في نفس الوقت صديقتي فكان زواجها على البحر وعقد النكاح في الطائرة وأمها أخذت من البنك دين لأن الزواج في تركيا غالي، ولبست صديقتي يوم زفافها فستانين، فجلست أفكر لماذا هي تلبس وأنا لا ألبس ولما عرف زوجي بذلك بدأ يسألني عن الدين وقال هل تعرفين عن الدين شي؟ فخجلت من أسئلته.
قال :لماذا أتيت إلى هنا ؟ قلت: لأتعلم الدين وأصبح داعية. فقال :أنت تعرفين النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم هو ملك السعودية.فضحك علي زوجي فعلمت أني لا أعرف من الدين شيء فبكيت خجلاً لأن جوابي ليس صحيحاً. فقال لي زوجي : أنا سوف أعلمك الشريعة فأعطاني سجادة ومصحف وتذكرة للعمرة فكان هذا مهري الذي ظل زوجي يجمعه من مكافأته الجامعية فصلاً دراسياً كاملاً وبذلك عقدنا النكاح .
حلم في المساجد..
ذهبنا إلى مكة لأخذ العمرة وعندما رأيت الكعبة بكيت كثيراً، لأننا نعلم أن من يذهب إلى بلاد الحرم -هكذا كنا نسمي السعودية – يصبح شخصاً عظيماً.
وبعد ذلك توجهنا إلى الرياض، فعندما وصلنا لم يكن لنا سكن فكنا نتجول في المدينة ليلاً وفي الصباح يذهب زوجي إلى جامعته وأنا أبقى في مصلى النساء في مسجد أبوبكر الصديق الذي كان مقابلاً للجامعة، وبقينا على هذا الحال لمدة يومين، ثم أتى الفرج بعد أن سمع أحد الطلبة السعوديين زوجي وهو يتحدث مع زميلٍ له فعلم بوضعنا واستأجر لنا ملحق، ومن هنا بدأت حياتنا.
بدأ زوجي يطلب مني الذهاب إلى دور التحفيظ, لكنني رفضت لأني لا أعرف شيئاً وكنت حامل بابنتي رقية وكان تعبي شديد، وكلما عاد زوجي إلى المنزل وجدني نائمة بسبب تعب الحمل، فغضب وقال لي : هل أتيت من الصين وتركيا لتنامي ؟ فبدأ يطلب مني تعلم اللغة العربية عن طريق دور التحفيظ واحضر لي كتب عن القواعد العربية فالتحقتُ بدور التحفيظ ودخلت فصل الأمهات لأنني لا أعرف العربية ولكنني لم أفقه شيئا فأنا أول مرة أسمع باللغة العربية، فكنت أتواصل مع المعلمة باللغة الإنجليزية، شعرت بالصعوبة في حفظ القرآن فطلبوا مني معلمات الدار تعلم الحروف العربية .
بدأت اسمع للشيخ المنشاوي فأحفظ سطراً واحد وبصعوبة في اليوم، وكان زوجي يشجعني فيقول: آية واحدة أفضل من لا شيء وخلال فصل دراسي واحد حفظت أربع صفحات فقط ، حتى وفقني الله وبدأت أحفظ نصف وجه ثم استطعت أن أحفظ وجهاً كاملاً باليوم . بعد ذلك أصبح زوجي يشدد علي ويقول خلال ستة أشهر احفظي 5 أجزاء، قلت : كيف هذا فأنا لا أستطيع! هذا صعب علي و ولادتي الشهر القادم، قال: يجب أن تحفظي وإلا سأتزوج إمرأة أخرى، فكان وقع الخبر علي شديد لأنه لايسمح في الصين الزواج بالثانية ومن يفعل ذلك يسجن 6 سنوات وغرامه، فدهشت لما قال وبدأت احفظ احسن من ذي قبل حتى أتممت الحفظ، فكان فعله هذا دافع لي .
كان يقام في مدينة الرياض مسابقة لحفظ القرآن، فاشتركت فيها وهي مسابقة الأمير سلمان للجاليات، وفزت بالمركز الأول وحصلت على أساور من الذهب، فرحت كثيراً لأنها المرة الأولى التي أرى فيها ذهباً، وقلت سبحان الله لم أجد الذهب في زواجي ولكني وجدته في القرآن، وتيسر لنا شراء سيارة بثمن الأساور.
كان زوجي يقول لي : لابد أن تحضري المحاضرات التي تقام في المساجد، قلت : أنا لا أجيد اللغة العربية، فمن المواقف أنه كان زوجي يعلمني الفصحى وعندما أحضر المحاضرات فإن الداعيات يتكلمن بالعامية وفي التحفيظ أيضاً بالعامية، فأتحدث إليهن ماتعلمته من زوجي فلا يفهمن كلامي، فذهبت إلى زوجي وقلت له: أنت لا تعلمني الفصحى صحيحة فهم لايفهمون كلامي فقال لي : لا تلك عربية عامية وهذه عربية فصحى والإختلاف بسيط .
لأن طالب العلم يحتاج للغة العربية فالدعوة تحتاج للعربية الفصحى وانتشار الدين الإسلامي لايكون إلا باللغة العربية فبقيت ثلاث سنوات وأنا بين دور التحفيظ والمحاضرات بالمساجد وكان من بين الدروس التي أحضرها درس للدكتورة /رقية المحارب كنت اسأل الدكتورة رقية عن أي شيء لا أفهمه وبعض الأحيان تعيد لي شرح وتفسير الآية فقالت لي يوماً : رحيمة لماذا لاتلتحقين بالجامعة. قلت :أتمنى ذلك. فقالت الدكتورة :أنا سوف أكتب لك خطاب اذهبي به إلى الجامعة , وفعلاً ذهبت إلى الجامعة وأرشدوني على مكتب المنح الدراسية، استغرق الموضوع شهراً , وكنت حينها حامل بابنتي فاطمة ( الطفل الثالث) وموعد ولادتي قريب، فقال لي زوجي: أكثري من الدعاء هذه الفترة وفعلاً بعد ولادتي اليوم الثاني مباشرةً جائني اتصال يخبرني عن قبولي في الجامعة، والحمدلله أكملت إجراءات التسجيل مابين السفارة والجامعة، فدخلت الجامعة قسم اللغة العربية وكانت مدته سنتان وأكثرشيء ساعدني هو دروس المسجد من التوحيد والتفسير، فكنت الأولى على دفعتي لمدة ثلاث سنوات والسنة رابع تخصصت تفسير.
منذ سنة تقريباً بدأت بالدعوة في المدارس فألقيت محاضرات في 7 مدارس للمرحلة الثانوية و3 مدارس للمرحلة المتوسطة .
أمي سبب صبري..
أما عن معاناتي مع الدراسة والأطفال والبيت فأرجع الفضل بعدالله إلى والدتي في صبري عليها، فعندما كنا صغار كانت أمي حازمة فقد كانت تطلب مني ومن أخواتي تنظيف البيت وكنس الشوارع لدرجة أننا كنا نقول إنها ليست أمنا بل ربما هي زوجة أبينا حتى النوم كنا لاننام كثيراً و كانت أمي تقول : تكفيكم ثلاث ساعات من النوم, فكم استفدت من تلك الأيام .
كنت أقول متى أذهب للجامعة حتى أستطيع النوم ,وعندما قبلت في الجامعة في الصين كان هناك تنافس شديد ولابد من الحضور مبكراً لحجز مقعد في الأمام فقلت ربما لاأستطيع أن أنام ,فقلت لعلي أتزوج كي أنام وبعد الزواج كان هناك مسؤوليات أم الزوج وأخوات الزوج لأن من عادتنا وجوب خدمة أم الزوج وأخوات الزوج فتسائلت متى أنام ؟؟ بعدها قلت سوف أنام8 ساعات إذا أصبحت (نفاس) لكن طفلتي الأولى كانت تبكي كثيراً وتوال الأبناء الثاني والثالث والرابع , فأصبحت أخدم الزوج والأبناء الأربعة والبيت ، وكنت أستيقظ من الساعة الرابعة فجراً لتجهيزهم وإعداد الفطور والوجبات المدرسية ثم نذهب جميعا نوصل الأبناء أولاً ثم أذهب لجامعتي ثم يذهب زوجي لجامعته ,ثم نعود جميعا في تمام الساعة 2 ظهراً وأبدأ بتحضير وجبة الغداء لهم ,ثم نبدأ بالمذاكرة وتستغرق 4 ساعات ، فتيقنت أنه لا راحة اللا في الجنة.
والدي:بيضت وجهي..
اكملت الآن 8سنوات بالسعوية و خلال هذه السنوات لم أرى أهلي بسبب التضييق علينا من قبل الحكومة الصينية وأيضا كان والدي يمنعني من القدوم خوفاً علي وعلى زوجي لأن مصيرنا إما السجن أو القتل , لكني كنت دائماً ادعوا لوالدي لأنه السبب في تعلمي هذا الدين العظيم والسماح لي بالهجرة , وكان رحمه الله مصاب بالسرطان في المخ , فكنت دائماً أذكره عبر الهاتف في أيامه الأخيرة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من قال قبل موته لاإله إلا الله محمد رسوالله دخل الجنة , وأوصيه بالتوبة والإستغفار, فقال لي والدي يوما : أنا أرسلتك هناك لتعلم الدين وربما أموت قبل أن أراك فاقرأي لي شيئاً من القرآن حتى أعرف هل تعلمت القرآن أم لا؟؟
عندما بدأت أقرأ القرآن بكى والدي بكاءً شديداً و قال لي: الحمدلله الآن أستطيع أن أذهب إلى ربي بوجه أبيض فأنت من بين أولادي تعلمت القرآن وبكى بكاءً شديداً رحمه الله, بعد وفاة والدي تعبت أمي فبدأت تعاتبني وتقول: 8سنوات وأنت لم تأتي لرؤيتي فهل هناك في دينك ما يدعوك لعدم زيارة أمك ؟ إن كان هذا دينك فلا تأتين , إن لم تأتي لزيارتي هذه السنة لن أتكلم معك إلى يوم القيامة ,فبعد إستخارة سافرت إلى الصين وكان أقرباؤنا بالسعودية يقولون لا تذهبوا فالحكومة الصينية تفتش بطريقة مهينة حيث أنهم يخلعون حجاب المرأة , فقلت : لا سوف أذهب لرؤية أمي وبالفعل وصلنا للصين و عند وصولنا للتفتيش لم يقل لي أحدهم اكشفي غطاءك لكن كنا مراقبين , وعندما رجعت لتركيا سألني أقربائي عن طريقة التفتيش ؟؟ قلت لهم: لا لم يفتشوني , فتعجبوا من ذلك لأن جميعهم تم تفتيشهم فقلت لهم :احفظ الله يحفظك , فحفظني ربي .
وأخيراً…. تحقق حلم رحيمة فلقد أتمت حفظ 16 جزءً من كتاب الله وهي طالبة متفوقة في جامعة نورة قسم الدراسات الإسلامية وأصبحت من الداعيات اللاتي يشار لهن بالبنان , فلله درها من مهاجرة .